اهلك ان لم يكونوا لك يكونوا لابنائك
إذا أكـلـوا لحْمـي وَفـرْتُ لحـومَهُــم
وإنْ هدَموا مَجدي بنيْتُ لهم مَجْدا
في نهاية الستينات وبداية السبعينات كنت في العاشره من عمري تقريبا وكنت مولعا ايامها بتربية الكلاب اجلكم الله واللعب معها خاصة وان بيتنا كان يقع في اطراف البلده ، وتحيط به الاشجار والبساتين ، وبسبب عقيدتنا فقد كان محرما علينا ادخال الكلاب الى البيوت لذلك فقد كانت تلك البيئه مناسبه جدا للاحتفاظ بالجراء واللعب معها.
كنا أطفال ايتام ووالدي رحمه ألله توفي قبل تلك الايام بسنوات قليله لكن والحمد لله وبرغم عدم وجود اي دخل ثابت لنا الا اننا وبفضل من الله عشنا حياه كريمه مرفهه نوعا ما مقارنه بحياة الكثيرين من اقاربنا وبفضل الله ثم بفضلهم حيث كان التعاطف والتكافل موجودا بابهى صوره ،في المناسبات والاعياد وعند بداية السنه الدراسيه كان يتخاطفنا التجار ويغرقونا بالملابس والهدايا وبكل اللطف والرافه ،وكيف لا وقد كانت ثقافة العطف على الايتام واغلب الاخلاق الحميده متكامله عند الناس بأصولها وممارستها.
نعود الى موضوع الجرو ، فقد حصلت عليه لا أذكر كيف واحضرته الى البيت وبنيت له بيتا جميلا تحت شجرات الاسكندنيا المقابله لبيتنا حيث كنا نجلس ونقضي اغلب وقتنا تحتها لما في تلك الجلسه من هواء عليل وظل ظليل .كان يبعد عن الاسكدنيا شجرة برتقال وشجرة ليمون تضيفان بروائحهما الزكيه سحرا للمكان .كانت الجلسه رائعه دائما وحتى ضيوفنا واقاربنا كانوا عندما يزوروننا يفضلون الجلوس في ذلك المكان الجميل .
بنيت البيت لجروي اللطيف ووضعت له وعاء للماء وشيئا من الطعام ،ولكن ومع الايام اصبح إطعامه مشكله، فهو لا ياكل كل شئ الى ان هداني تفكيري لاذهب الى محلات بيع الدجاج والنتافات في البلده وآجلب من عندهم ما يتم القاءه في النفايات من ارجل الدجاج وامعائه.
كان في وسط سوق البلده محل لابناء عم لي رحمهم الله وهم احمد محمود الديباش وحلمي الذياب الله يجعل ماواهم الجنه، كانوا يبيعون بذلك المحل الدجاج وبمحل صغير اخر بجانبه كانوا يبيعون الخضروات .فذهبت اليهم ودخلت المحل، وبسبب صغر سني وبسبب الطلب الغريب الذي ساطلبه فقد ارتبكت وعندما رحبوا بي وسالوني عن غايتي تلعثمت في الكلام ولكن نطقت بما اريد من بقايا الدجاج وغفلت ان اذكر انها للكلب .
نظرا الي نظرة كلها عطف وحنان وقال لي احدهم .تمام يا عمي اذهب وعد بعد قليل ..وفعلا غادرت فرحا بانني سأوفر للكلب ما سيريحني من مشقة توفير طعامه يوميا.
تركتهم حوالي ساعه وعدت وفي خجل تقدمت ودخلت الى داخل المحل وسالت عن طلبي .
ضحك في وجهي ابن العم ووضع يده على راسي ثم تناول كيسا كبيرا واعطاه لي وقال: اهلا بكم يا ابني وكلما احتجتم فقط تعال واطلب ولا تخجل .
حملت الكيس وانا لا اكاد اقوى على حمله وتوجهت للبيت واعطيته لامي رحمها الله لكي تهيئ الأمعاء وتفرغها من محتوياتها حيث يجب ان تكون نظيفه ليستطيع الكلب تناولها . وفي إستهجان سالتني عن الكيس وما فيه فأخبرتها بالقصه .
ففتحت والدتي الكيس ويا سبحان الله ،فقد كان فيه كل شئ الا الامعاء والأرجل. لقد وضعوا رحمهم الله دجاجتين وشئ من الخضروات وقليل من الفاكهة .لقد ظنوا باننا ولاننا ايتام سوف ناكل تلك البقايا فما هان عليهم ذلك وتحركت قلوبهم ونخوتهم فقدموا ما استطاعوا ..رحمهم الله وجعل مأواهم الجنه .
خالد الياسين حمارشه.