من الرواد المحدثين للفن التشكيلي رسما ونحتا
الدكتور سامي عبد الرؤوف الرفاعي
مال إلى الفن رسما ونحتا ... وطلق المحاماة
حسين أحمد سليم آل الحاج يونس
مدينة الشمس - بعلبك
لوحات شاعرية , تسكن قلب الفنان الدكتور سامي الرفاعي , في رومانسية مغايرة , تسم أعماله التشكيلية رسما ونحتا , لتحكي رحلة الإنسان في مسارات الحب ببساطة وعمق وروعة , ووصف لافت , وشفافية , وإبداع قادم من عمق الأصالة .
الرفاعي رسام ونحات من الرعيل الذي رسم المسار الفني للوحة التشكيلية في لبنان , ونحت في حركته التطورية بصمات ذاته . ففي لوحاته هارمونية لونية , ومفردات خاصة لا تفارق رؤيته , أو أحلامه , قسوته أو حنينه , وفي أعماله النحتية , حركات مستقاة من المدرسة الرؤى الصوفية التجريدية , وإيقاعات ترمز إلى نبض الحياة .
انطلق من الواقع المألوف , من الطبيعة , واتسمت أعماله بالمواجهة بين طراوة الموضوع وأشكاله , لوحاته تحمل فلسفه مقبولة . هي رسالة مشاركة منه للآخرين , هدفه أن يجمع كل البشر في إحساس واحد وحلمه أن يتواصل الناس من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب .
فنان تجريبي , يعطي الخصائص عن فنه حتى تظل حريته معه . لا يحصر نفسه بأسلوب معين أو أسم معين ضمن إطار جامد وغير متحرك , فعندما يرسم , يكون ذاته , لا يعيش في رؤية ضيقة ومحدودة , أو داخل لون واحد وأسلوب واحد وحركة واحدة . ويحتكم إلى روح المغامرة والجرأة والتجدد , على غرار ما تفعل الخلايا , ويتحلى بمناعة ضد الفتور والرتابة . وهناك أشياء ثابتة وهي سمات عمله والتي تميزه عن غيره من الفنانين , ولا يحد من حريته ولا يحب التسميات الضيقة . ودائما هو في بحث وتجدد وقلق , يفتش عن نفسه ضمن السمات التي هو فيها . تعبر لوحاته بشكل عام على الإنسان وحركته وهو الموضوع الأساسي , خاصة بالنحت , يدخل إلى تفاصيل معينة , تحمل معاناة وقضايا ومواضيع تهم الإنسانية .
هو من أبرز الذين نهض بهم وعليهم فن النحت اللبناني . أثبت جدارته منذ البدايات الأولى حيث كشفت أعماله عن موهبة فطرية صقلتها التجارب وهذبتها المعارف المختلفة والقضايا الاجتماعية والفكرية والتاريخية . كأنه ينحت بإيحاء من رؤى أصيلة .. تزاوج بين مفردات كثيرة .. حجر وأنامل وتهاويل رعشة تلبست أرجاء النحت , فأثبت وجوده بتصميم الساكن , للفكرة من الأصل .
ترفل العين لمشاهدة أعمال الفنان الدكتور سامي الرفاعي, ويتحسس الناظر لتكويناتها الفنية , أن هناك عالما خاصا بها , تسكنه كيانات معينة , مميزة وفريدة , مكتفية بكينونة وجودها . فكل منحوتة من أعمال الفنان تحاكيك بالبعد الفني , وتخاطبك من على قاعدتها الخاصة , بمعالم النضوج الرصين , وتكلمك بوضوح دون تعقيد , لهجتها البساطة الغنية بالعطاء . أعمال فنية نحتية , تنتصب هنا وهناك , كائنات قائمة في ضوء النهار , تتنفس نسمات الأثير الناعم , المنساب مع سيالات النور , لتسكب في روحك خلاصة أنظمة التناسق والانسجام .
قدر الدكتور الرفاعي أن يترك المحاماة والسياسة ويتجه للفن التشكيلي ليثري الحركة الفنية بإبداعاته , والتي هي وليدة أصالته وموهبته وتمرده , عصاميته في تكوين ذاته الفنية , فالفن عنده هو قبل كل شيء مغامرة , جهد على أن لا يكرر نفسه , فكان لكل عمل فكرة جديدة ونادرا ما نجد له عملان متشابهان .
اطلع على الفنون الإسلامية في الجوامع والأبنية القديمة في أقطار الدول العربية والإسلامية والتي كان لها أثرا عميقا على أعماله الفنية لاحقا . فسافر كثيرا وتابع دراسات فنية في دول كثيرة , ووجد طريقه في مجال النحت وهو الأسلوب الأكثر قدرة على إظهار التقنية التي يود التعبير عنها . فأجاد في النحت والرسم معا وخلق جسرا بين الاثنين من خلال عودته إلى الجذور . ونظم عدة معارض في لبنان والخارج وحاز عدة جوائز .
استوحي التجديد من فلسفة عريقة تفتقت من بحث عن الأصالة , وعن الصفاء , عن النواة وعن المطلق ... رسالته الفنية بناء متكامل , حيث اللون والشكل مترابطان ترابطا وثيقا بواسطة ميزات في تعبير مثالي قائم على النسب والعلاقات . رايته التجديد والتجريد . لذة الخلق عنده أهم من الإنتاج , إذ ترى العمل الفني وكأنه نظم قصيدة ... بأسلوب التشكيلي الحديث , ولكن في الوقت نفسه , تمسك بخشبة الفكر التراثي وفرض تصوره على العمل الفني . فتميزت أعمال الفنان الرفاعي بحضور قوي للكتلة , وفي الوقت نفسه بشاعرية رقيقة وناعمة . وهذا ما يميزه عن أغلب الأعمال ذات المنحى التجريدي .
تنظر العين إلى أعمال الفنان الرفاعي , فترتاح لما تشاهد . من تناسق في الأحجام , ومن انسجام في الخطوط , ومن توازن في التأليف , ومن تكامل في الصياغة .
ولد سامي الرفاعي في مدينة بعلبك في العام 1931 , وتلقى علومه في مدرسة الحكمة في بيروت , وحاز على إجازة في الحقوق من الجامعة السورية بدمشق في العام 1956 , ومن الجامعة اليسوعية في بيروت في العام 1957 , ويحمل شهادة ماجستير في العلوم الاقتصادية وماجستير في العلوم المالية منذ العام 1957 .
أسس مكتبا كبيرا للمحاماة في بيروت ومارسها لسنوات عدة , وتعاطى القضايا الجنائية فقط في العام 1962 , لكن ميله إلى الفن غلب عليه في النهاية , فانصرف إلى الرسم والنحت .
عمل في السياسة اللبنانية , وترشح للانتخابات عن منطقة بعلبك , لكنه اعتزل فيما بعد لاكتشافه أنها لا تتوافق مع أخلاقه في العام 1964 .
له عدة محاضرات وأبحاث في مواضيع الثقافة والفن والتارخ ...
زار بلدان كثيرة في جولات فنية عديدة للاطلاع على مختلف الفنون والحركات التشكيلية في النحت والرسم منها : فرنسا , إيطاليا , حيث أقام مدينة PIETRASSANTA ومدينة CARARA حيث مارس النحت على الرخام . هذا وزار إسبانيا وهولندا وبلجيكا والدانمارك , مكتشفا ميله الإبداعي لهندسة الحدائق . وزار الشرق الأقصى كذلك , وعاد بتجربة فنية جديدة . إلى هذا فقد زار أفريقيا , وكان له حنين إليها مرات عدة حيث تأثر فيها بالنور والغابات ووضع عدة رسومات بالحبر الصيني وبعض منحوتاته . أقام في كنشاسا , الزائير وعاش فترة في الغابات يمارس النحت على الخشب مع نحات أفريقي فطري . وزار الولايات المتحدة الأميركية لمدة ثلاثة أشهر للاطلاع على الإبداعات الحديثة فيها . وزار الاتحاد السوفياتي , مطلعا على الحركة الفنية قبل الثورة وبعدها . وزار أيضا اليمن وجنوب الجزيرة العربية مطلعا على الفنون القديمة . وزار المغرب ليتعرف إلى الفنون الإسلامية هناك . وهاجر إلى عمان حيث عمل هناك فترة زمنية معينة . هذا وقد زار البلاد العربية كافة من الخليج إلى المحيط ما بين العامين 1957 و2002
عمل كمنسق حدائق , وهو صاحب مجموعة عالمية نادرة من نباتات الصبار CACTUS بين العامين 1965 و1970
أسس أول محترف له للنحت والرسم في منطقة الحازمية في العام 1965 مقررا تكريس حياته للفن نحتا ورسما وبشكل نهائي في العام 1970
أنهى الفنان سامي الرفاعي تحفته الحجرية , حوار التحدي بين الإنسان والموت والحياة بالحجر اللبناني وزنها ستة آلاف كيلوغرام , مجموعة خاصة في بكفيا في العام 1981 , وأنهى عمله النحتي طائر الفينيق مجموعة رئيس الجمهورية السابق الشيخ أمين الجميل في بيت المستقبل في العام 1988
اشترك الفنان الدكتور سامي الرفاعي في عدة معارض خاصة وجماعية في فرنسا وبلجيكا وإسبانيا ولبنان بين العامين 1970 و2002 أهمها :
معرض رسم بمناسبة المعرض الزراعي في مدينة كانت في بلجيكا في العام 1970 , ومعرض رسم بعنوان : فرح , موسيقى وزهور , في كاليري بطرس في بيروت . وكان هذا المعرض إعلان رفضه للحرب اللبنانية في العام 1980 , واشترك في متحف سرسق بمعرض الخريف العاشر في العام 1982 , والحادي عشر في العام 1984 , والثاني عشر في العام 1986 , والثالث عشر في العام 1987 , حيث نال عن مشاركاته تقدير المتحف على عمله " وحش الحرب " مجموعة المتحف الدائمة , هذا وشارك كذلك في المعرض الرابع عشر في العام 1988 و 1994 و 1995 , وشارك في معرض نحت على درج الفن , درج متحف سرسق في الأعوام 1995 , 1988 , 1986 , 1994 , 2002 , ومعرض نحت ورسم في كاليري بخعازي , في الأشرفية حيث عرض 40 منحوتة و32 رسما بالحبر الصيني بالأسود والأبيض , وأصدر بمناسبة المعرض كتيب بالفرنسية عن أعماله النحتية مع 150 صورة , وكتب الدراسة النقدية الناقد التشكيلي جوزف طراب في العام 1986 , وفي معرض نحت في كاليري المنتدى في بيروت , حيث عرض 31 منحوتة وبمناسبة المعرض أصدر كتيب عن أعمال المعرض وكتب الدراسة النقدية الناقد التشكيلي الشاعر سمير الصايغ في العام 1987 , وشارك أيضا في معرض نحت كاليري أجيال في بيروت بعنوان : عودة العنقاء , أصدر بمناسبة المعرض كتيب عن أعماله بالعربية والفرنسية , وكتب الدراسة النقدية الناقد مي منسى وبالفرنسية جوزف طراب في العام 1991 , وفي معرض ساد في ساحة البرج في بيروت وعرض منحوتته الشهيرة في الأعوام 1996 , 1997 , 1998 , وفي معرض رسم في مركز جمعية العناية بالطفل والأم في العام 1999 وكذلك شارك في معرض سيمبوزيوم عاليه الدولي كضيف شرف , حيث أنشأ منحوتة ضخمة تزن 6000 كيلوغرام في العام 2000
اشترك الدكتور سامي الرفاعي في عدة معارض في العالم , ونال عدة جوائز في كل من فرنسا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا ولبنان . فحاز على ميدالية برونزية للمعرض الزراعي الإسباني , فالينسيا في العام 1972 , وميدالية ذهبية للمعرض الزراعي الإسباني في العام 1974 , ونال الجائزة الكبرى في بينال طهران الدولي في العام 2000 , ونال أيضا جائزة أكاديمية الفن في طهران وكرم من قبل وزارة الثقافة الإيرانية في العام 2001
هذا وقد شغل الرفاعي مناصب عدة أهمها : تأسيس شركة , جولدن روز لهندسة الحدائق في الحازمية في العام 1965 وعين رئيسا للجنة المحكمين في المعرض العالمي لنباتات الزينة في مدينة كان في بلجيكا الذي يقام كل خمس سنوات وذلك في العام 1970 , وعين عضوا في لجنة المحكمين في المعرض الزراعي الإسباني في العام 1974 , ورئيسا للمرة الثانية للجنة المحكمين في معرض كان , بعد أن عرض بعضا من أعماله الفنية النحتية ورسوماته على الأرض بواسطة الزهور في العام 1975 وعضوا في المركز العالمي للنحت في واشنطن في العام 1990 وعضوا مؤسسا ورئيسا لمؤسسة سمعان خازن الاهدني في العام 2001 و2002 , وهو عضو في جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت .
الرئيسية 
