ألم أقل لك إنك ستعود
تعتزم تكية أم عبد الله الخيرية بيت البركة للفقراء والمحتاجين توزيع قرطاسية وشنط مدرسية على المستحقين وذلك في مقرها بمدينة البيرة ،كما توجهت مركبة محملة من الأثاث والسجاد والمواد التمونية الى إحدى قرى محافظة رام الله والبيرة ،شكرا لأهل الخير وأنتم منهم.
يقول الدكتور خالد الكرمي :
منذ اكثر من أربعين عاماً وأنا ما زلتُ أتذكر حادثة حصلت لي وبكامل تفاصيلها.
كان عمري ١٥ سنة ووقتها صدرت نتائج الشهادة الإعدادية في جريدة القدس وشاهدتُ إسمي في الجريدة وكانت فرحتي عندها كبيرة جداً،
فقررتُ السفر من طولكرم الى نابلس لشراء كنافة من نابلس، لتقديمها لأهلي وأصحابي إبتهاجاً بنجاحي. وضعت في جيبي خمسون ليرة ورقية وليرتين معدنية، ركبت الباص ودفعت الليرات المعدنية أجرة الباص وبقيت الخمسون ليرة الورقية بجيبي.
وعندما وصلت إلى نابلس توجهت فوراً الى السوق ، وبعدها دخلت محل حلويات وكان التاجر يجلس بجانب ابنه الصغير أمام محله.
فقلت له : عمي أنا بدي 2 كيلو كنافة ، ومددتُ يدي إلى جيبي لأخرج الخمسين ليرة الورقية فلم أعثر عليها وبدأت بالبحث في الجيب اليمين ثم الجيب اليسار ولكنني لم أجدها.
ظهر الحزن عليّ واضحاً فاعتذرت من التاجر وقلت :
عمي سأعود لاحقاً لأخذ ما طلبته منك .
لكن التاجر نظر اليّ وإبتسم وقال :
هل نسيتَ النقود في البيت فقلت له : لا بل أعتقدُ أنني أضعت المبلغَ، فقد كان في جيبي خمسون ليرة ورق.
قال لي : أين تسكن يا إبني
قلت له : بيتنا في طولكرم يا عمي
قال لي : إجلس يا إبني وإرتاح شوَيّة
وصَبّ لي كاسة شاي وقال :
تفضل واشرب شاي ورَوّق بسيطة يا إبني
جمع التاجر ما وَزَنهُ من الكنافة في علبة
وقال لي : خذ هذه العلبة يا إبني
وفي المرة الجاية بتسدد لي ثمن ما إشتريت،
الناس لبعضها يا إبني.
قلت : يا سيدي أنا قد لا أعود لنابلس إلا بعد فترة طويلة وأنا أعتذر لأنني لا أحب الإستدانة.
قال : أنا متأكدٌ يا إبني بأنك ستعود وتسدد لي ثمن البضاعة وأصرَّ عليّ أن أحمل تلك العلبة .
أخذت الحلويات وكلّي خجل من هذا الموقف، وودعته هو وابنه وغادرت المحل ، وبعد أن مشيت مسافة بالسوق واذا بإبن التاجر يناديني فتوقفت، قال لي : لقد وجد والدي الخمسين ليرة بأرض المحل ويبدو أنها قد وقعت منك، وأبي قد خصمَ منها ثمن الحلويات وهذا الباقي تفضل.
كانت فرحتي كبيرة لأني لم أحمل ديناً في رقبتي من ناحية ، ولأنني سأستطيع دفع أجرة الباص للعودة الى طولكرم دون الطلب من أحد لأنني لا أملك غيرها.
عندها فرحت كثيرا وشكرت الولد وأرسلت معه شكري لوالده، ووضعتُ باقي المبلغ في جيبي وأنا سعيد جداً.
وصلتُ الى بيتنا في طولكرم وعندما أدخلت يدي في الجيب الخلفي للبنطال الذي كنت ألبسه تفاجأت بأن الخمسين ليرة في هذا الجيب الذي لم أبحث فيه، فقصصت على والدي ما حدث لي في نابلس ، فابتسمَ وقال لي : يا إبني تجار نابلس هم تجار أباً عن جد ويحملون كل معاني الإنسانية وعليك يا بنيّ أن تعيد الخمسين ليرة للتاجر فهي دين في رقبتك وستأخذ معك اقراص من ( الزعتر ) من شغل والدتك لتكون هدية له وأن تدعوه لزيارتنا.
وفعلاً في الأسبوع الثاني حملت معي ( اقراص الزعتر ) وخمسين ليرة الدين .
عندما رآني التاجر من بعيد رأيت على وجهه إبتسامةً وعندما إقتربت منه قال لي : ألم أقل لكَ بأنك ستعود والآن خذ معك هالكيلو الهريسة وسلّم لي على والدك وعلى أهل طولكرم .
وبعد هذه الفترة الطويلة ما زال وجه ذاك التاجر وإبنه أمام عيني ولن أنساه ما حييت، فقد أعطاني الكنافة وإنتبه أنني لا أمتلك غير الخمسين ليرة الورقية ولن يكون معي أجرة الطريق فأرسل لي مع إبنه مبلغاً يعينني على دفع أجرة الباص للوصول لمدينتي طولكرم .
هيك كانت فلسطين واهل فلسطين ، كرم ونبل ورقي.
يومكم معطر بذكر الله أن شاء الله