ذكريات الطفولة
فتحت عينيّ وخطوت أولى خطواتي في بلدتي لأرى حولي أبويّ وإخوتي..كانت أمي شلّال حنانٍ متدفّق،إن نظرَتْ بعيْنيها الخضراوين إليّ أُحسُّ أنّها غمرتني بحبّها واحتضنتني على صدرها وإن لم تكن قريبة منّي.
وكان والدي رجلاً مشهوراً في بلادنا فهو شاعر وكاتب وروائيّ وقد أصدر كتباً كثيرة له. وكان إعلاميّاً معروفاً فهو من أوّل الذين عملوا في (محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية) من أقدم المحطات في وطننا العربي كان مقرها يافا ثم القدس وبعد الخامس عشر من ايار انتقلت إلى مدينة ليماسول في جزيرة قبرص.
ليماسول مدينة ساحرة لا انسى جمال شاطئها عندما كنت الهو مع رفيقاتي الصغيرات على رمالها، وكنت فائقة الذكاء..في الخامسة من عمري تعلمت اللغتين : التركية واليونانية..وهما لغة سكان الجزيرة.
كان والدي يقدم برامج ادبية للإذاعة ويستضيف ادباء تلك الفترة في برنامجه واذكر منهم العقاد والمازني والنشاشيبي المقدسي. ومع صغر سني تعلمت القراءة والكتابة.فقد اتفق والدي مع سيدة لبنانية ملمّة بتعليم الصّغار فعلّمتني... فبدأت اقرأ منشورات البرامج الادبية الإذاعية التي يحتفظ بها والدي في المكتبة.
وأظلّ أذكر باعتزاز أني درست في روضة في المدينة وحصلت على المرتبة الأولى بين أطفالها، وكان عددهم مائة وعشرين طفلاً وطفلة مع ان التركية ليست لغتي الأمّ.
أقامت الكليّة التي تتبع لها الروضة احتفالاً لتكريم المتفوّقين في كل مراحل الكليّة وأختُرتُ لمرحلة الروضة.
واهتمّت الإدارة بمظهري..ألبسوني ثوباً أبيضَ وعليه جناحيْ فراشة زاهية الألوان وعلّموني ان أُغنّي أغنية ترجمتها.. ما احلى الفراشة وما ابهى الوانها وأخفَّ حركاتِها.وخلال ذلك أتراقص مع أنغام الموسيقى على المسرح.
وبدأ المدير بتكريمي منحني جائزة ثم رفعني بذراعيه إلى الأعلى هاتفاً: فلْتَحْيَ بنت العرب فلتحيَ.
ذُهل الجمهور لأني تعلّمت اللغة التركية وتفوقت في الدراسة على الأطفال الاتراك وأنا عربية.وكم كنت فائقة الجمال.
ولا أنسى منظر والدي الذي رحّبوا به في افتتاح الاحتفال بصفته مندوب الإذاعة، كاد يطير فرحاً لم أشاهده هكذا إلّا عندما تخرّجت من الجامعة الاردنية بتقدير ممتاز وكنت أولى الدفعة.
أحببتُ التفوّق من احتفال جزيرة قبرص فلم أكن في كل سنين دراستي في المدرسة والجامعة والتعليم إلا الأولى..الأولى.