عند توهّج الأصيل
_______________
لا تبكني يا سَمْحُ إنْ متُّ
فلطالما قد أشْكلَ الموتُ
أيٌّ أنا لو قُمْتَ تدفنُني
من بين كنْتُ وأُختِها صِرْتُ
أُختانِ ما التقتا ببيتهما
يوماً، وجسمي ذلك البيتُ
وكأنني زوجُ اثنتيْن فما
أصبحتُ فيه عليه أمسيْتُ
هذي اسمُها دنيا إذا بسمتْ
سالَ الصباحُ وشقْشَقَ الّنبْتُ
وفغَتْ عناقيدٌ فأنْضجَها
وهْجٌ يشُبُّ وسلْسلٌ فَرْتُ
عيْنُ الرِّضا أني أبادلُها
وطَرَ الهوى جهداً بما نِلْتُ
شفَةٌ على كأسٍ ودونهما
قلِقُ اللِّثامِ ، ومُسْفِرٌ ثَبْتُ
يتجاذبانِ، فَإِنْ هما عَلِقا
سجَتِ الجفونُ وجمْجَم الصوتُ
وتلومُني أنّي ضعُفْتُ على
غلْواءِ فتْنتِها فلم أعْتُ
سِحْرُ الهوى إني تميمتُه
ما زدتُها عشْقاً وما ازددْتُ
ويدي بها بيضاءُ أبسُطُها
أنا ما اشتريْتُ بها ولا بِعْتُ
أمشي بها حذَرَ الغِوى فإذا
ما أقبلَتْ تختالُ أعْرَضْتُ
أدري بقلبي لو تعلَّقَها
يوماً ستهْجُرُني إذا شِخْتُ
أبْكيْتُها ، فبكَتْ مُروَّعَةً
أني إلى أخرى بها سِرْتُ
حيثُ التي لو شئتُ رؤيتَها
وضَحَ النهار ، لخابَ ما شِئْتُ
فأضًَأْتُ عيني الليْلَ أسْهرُهُ
أنْ لا يُغالبَ عيْنيَ السٌبْتُ
علّي كما دنيا أُجسّمُها
أَدَماً عليه من النٌهى سَمْتُ
حَدّقْتِ كم فعييتُ أُبصرُها
إلاّ إذا يا سمْحُ أغْمَضْتُ
لكأنّما يسجو الحياءُ على
عيني ، فإنْ أغمضْتُ أبصرْتُ
وتدور عيني وهي مُغمِضَةٌ
في داخلي من حيثُ ما دُرْتُ
فرأيْتُ ما لا أُفْقَ يحجبُهُ
ووقفْتُ حيثُ تحيَّرَ الوقْتُ
غامتْ مآقيه فأرسلَها
من مقلتيْهِ ثوانياً تشتو
وكأنه يُحْيِي بها حِقَباً
من يقظةٍ سَكْرى بها عِشْتُ
كم نجمةٍ ماستْ على شفتي
كم شمعةٍ لي فيه أوقَدْتُ
كادت تكلّمني وقد حَصِرتْ
في نطقها فتكلّمَ الصّمْتُ
فإذا الذي يمشي بأسطُحِهِ
حيٌّ ينوءُ بحمْلِهِ ميْتُ
ورأيْتُني أصطَفُّ بينهما
صوراً ، فأعجبُ كم تعدّدْتُ
أبدو كما المرآةُ تُبْصِرُني
صدَّقْتُ ما فيها، وكذَّبْتُ
** ** **
أنا يا سِراري ليس يشغلني
ما قد أكونُ عليه ، أو كُنْتُ
وحبيبتي لا اسمٌ يُعرِّفُها
عندي ولا صفةٌ ولا نعْتُ
تأتي كماءِ الطّلِّ يغسلُني
فإذا ترقرقَ فِيَّ أزْهرْتُ
-------------------------
سميح الشريف