أحمدفوزي أبو بكر
على رصيف السّوق
.............................
مرّت سويعاتٌ على بدءِ النّهارْ
واليومُ يومُ سوقٍ
والشّارع المقفرُّ لا يأتي بأخبارٍ تَسُرّْ
كلّ النّساءِ لَينتظرنَ السّوقَ في شغفِ الظهورِ على الرصيف ِالمرّْ
والكلّ أعمى لا يرى غير اهتراء الذّات فوق الأرصفة
حبّ التسوق في عيون الآخرين
حبّ التغندر بين بسطات العطور الزّائفة
بين اسطواناتٍ تضجّ بأغنيات الإكتئاب
بين أسمال الثّياب
لتعود بعد العصر تبكي الإغتراب
*
كانت تفضّل مقعداً عند الجدارْ
في قُرْنةِ السّوق الشماليّة
في ظلّ نخلةٍ من عمرها
ومقعدٍ رثٍّ قديمْ
أخرى تداوم في الجلوس
على انجراف السكّة الحديديّة
من فوق رمل الهاوية
كان القطار يقلّ جنداً
في صباحاتٍ كهذا الصّبح نحو تركيّا
مرَّ القطارُ واهترأ الحديدمع الحريرْ
قبل سبعين خريفاً
هلاّ يعود إلى الوجود مقاتلٌ
منهم يرافقها خريف العمرْ
مرّ القطار ولم ترَ أذياله فوق الهضاب تمرّْ
يعدو كتمساحٍ أبى افتراس الحسن في ذاك المحيّا الحرّ
*
كلّ الرجال على السّواء منافقون
حتّى الّذين على جَنباتِ بَسْطاتِ الفواكه
الخوخُ ليس بأحمر الخدّين
لا التوتُ ثغرٌ للعروس
ولا الخيار أنامل العذراء
والنّاس لا تأتي لكي تبتاع سلعةً في السّوق
بل كي ترى ما يُشْترى
والسّوق سوق الفاتنات...
*
مقهىً يجاور بسطة التوابلِ
والدّيك قد يأس الصياحْ
ذاك الصباحْ
وفتىً يراوغ صيده المطعونْ
"إنّي أحبّ دخول قلبك يا فتاة السّوق من شبّاكه الخلفي"
"وأنا أحبّكْ.. " قالت وخافت أن ترى
ظلاًّ لها يعلو بطابور العوانس
*
مقهىً يعجّ بجلبةِ الغوغاءْ
كلّ الرجال منافقون على السّواءْ
ومقنّعون بكذبهم ومراوغون ..مداهنون
حتّى إذا نفذَ القضاء بصيدهم تركوه يغرق بالدماء
*
يتناوب المتقاعدون على احتلال المقعد الخشبيّْ
...من حول لعبة نردْ...
والنخل يحمل كل سالفةٍ ويخطّها في صفحة الريح الجديدة
((سحّارةٌ ))تخلو فيؤتى غيرها فاليوم يوم سوق
*
تمشى على مهلٍ فلا يرمقها أحدٌ
سوى الفرسان في أجنحة الشرق الّتي في حلمها
فتساوم البيّاع والإشعاع ْ...
في النظرة الأولى ..
وتعود تنظر للوراء فلا ترى أحداً يراها
لتعاود المشي البطيء على بقايا يومها المدهوس مع
حَبّ الفواكه والسكاكر والتصاوير الجميلة للْمُغَنّينَ الحسان
*
والشّمس حارقةٌ على الوجه المقنّع بالحياء
فتسيلُ الوان القناع على تجاعيد الخدود
لتعود ترسمه فتيّاً صارخاً
حتّى إذا نفذت بضاعة البسطات في السوق المقابل
وتقاطر الروّاد للمقهى مساءً
دخلت بزوبعةٍ إلى قلب المكان
وحلاوة الإيقاع توقعها ..تدوّخها
وتمركزت وسط الدّخان الأحمر المنفوث من فوهة الشيطان
لتبيع سلعتها
*
الوجه بسطتها تبيع عليه بسمتها
وتحتمي بالأدمعِ
وحلاوةً للراقصين على أقاصِي الإصبعِ
وحكايةً للباهتين بسحرها والغارقين بخمرها
والقادمين من الجهات الأربعِ
في بهرج السّوق المهيب وحسرة المتبضّعِ
وصراخُ باعته جزافاً والمدى...
يحلو لها اللهو اختفاءً في الصدى المتقطعِ