اللغة العربية القديمة و اللهجات .
لقد تميزت في لغتنا العربية القديمة ثلاث لهجات هي السريانية في الشرق ، و الأمورية ( و هي الفينيقية) في الغرب ، و العرباء ( أي النقية أو الشديدة العروبة ) في جوف شبه جزيرة العرب .
إن هذه اللغة بلهجاتها الرئيسة الثلاث كانت تستوعب كل الفروع السكانية العربية . ولو أردنا أن نضرب مثالاً في أرام بن سام و أولاده مثلاً لوجدنا أن آرام و آباءه ، و هم فرع رعوي بدوي من فروع العروبة ، كانوا يقطنون المنطقة الشرقية من برية شبه جزيرة العرب ، أي في منطقة اللهجة السريانية ، و لهذا كانت لغتهم هي العربية بلهجتها السريانية . و كذلك الأمر مع إبراهيم العربي الآرامي .
لكن حينما انتقل ابنه اسماعيل إلى منطقة اللهجة العرباء و تزوج من بني جرهم و استقر بيت ظهرانيهم تحول هو و أبناءه من بعده إلى اللهجة العرباء و لهذا دعي أمثال هؤلاء بالعرب المستعربة . ثم بقيت لغتهم هي العربية العرباء في مستقرهم الجديد و ظهر بين فروعه محمد بن عبد الله .
و لنتوقف قليلاً عند بعض أهم القرويات بين تلك اللهجات للغة العربية الواحدة .
١ - إن في الأمور الأساسية المميزة للفظ الأسماء في تلك اللهجات أن العاربة أو العرباء كانت تضيف التنوين إلى نهاية الأسماء دون أن تكتبه ، بينما السريانية تضيف الصوت ( و) و الفينيقية الصوت ( ا) : إن كلمة بيت هي ( بيتٌ ) Baeton في العرباء ، و (بيتو ) Baeto في السريانية و (بيتا ) beata في الفينيقية . و علاوة على هذا فإن بعض اللهجات الفرعية في الفينيقية كانت تلطف صوت ( الكاف ) إلى ( خاء ) فكلمة ( كيتون ) و تعني ثوب الكتان أو القطن ، و هو الثوب الفينيقي القصير الشهير ، كانوا يلفظونه ( خيتون ) .
٢- و ثمة فارق جوهري أخر هو أن العرباء أضافت ستة أصوات إلى الأبجدية لفظاً و كتابة هي ( ثخذ ) و ( ضظع ) بعد ( قرشت ) .
و لقدكانت السريانية الشرقية و الفينيقية الغربية تلفظان التاء ثاء في بعض الأحيان ، و الدال ذالاَ ، لكن أياً منهما لم تكن تستخدم أو تلفظ الضاد ، فدعيت العرباء ، فيما بعد و بناء على هذا ، بلغة الضاد تميزاً لها عن شقيقتيها ، و دعيتا بالعجميتين ، أي الصعبتين على الفهم ، و بناء على ذلك فقد صارت كل المدونات في العربية القديمة فيما بعد تدعى بالأعجمية . ثم إن اللغة العربية القديمة ، بلهجتيها السريانية و الأمورية ، لم تكن تخضع للقواعد المعقدة و المتطورة التي تطورت إليها العرباء ، إذ إن الإسم كان يبقى على حاله في كل من حالات الإعراب .فظلت بعيدة عن الصرف الذي تطورت به العرباء ، مثال (( الجملُ يرعى العشب )) هي بالسريانية (( جملو روعي عسبو )) ، و بالأمورية (( جملا روعي عسبا )) أو (( غملا روعي عسبا )) إذ كان الأموريون يطلقون كك الجيم )) أحياناً إلى (( الغين )) في اللفظ . لهذا فقد دعيت كل الأسماء العربية القديمة ممنوعة من الصرف ، و المانع من الصرف العَلمية و العُجمة .
و هكذا فإن أرواد ، صور ، دمشق ، تدمر ، حمص ، حماة ، حلب ، حمورابي ، هانيبعل ، عشتار ، حدد، آدم ، هابيل ، قابيل ، اسماعيل ، هاجر ، إبراهيم ، طالوت ، يوسف ، يعقوب ، معدّ ، عكّ ، زينب ، بلقيس ... إلخ .. بقيت أعجمية ، أي عربية سريانية أو أمورية فينيقية لا تخضع لقواعد الصرف و الإعراب . و لو نظرنا في ((محيط المحيط )) حول معنى كلمة أعجمي لوجدنا : (( أعجمَ )) الكتاب أزال عجمته و إبهامه بوضع النقط و الحركات و الإعراب . و أعجم الكلام ذهب به إلى العجمة إي خلاف أعربه . و العُجمة و العِجمة عدم الإفصاح في الكلام و كون الكلمة في غير أوضاع العربية كإسماعيل و لوط . و الأعجم من لايفصح و لا يبين كلامه و إن كان من العرب )
تاريخ سورية الحضاري المركز الدكتور أحمد داود صفحة ٦١