حَسَراتٌ مُقَـفّاة! - للشاعر صقر أبوعيدة
حَمْلٌ إذا سُئِلَ اسْتَنامَ وَسَوّفا
وَعُرُوبَةٌ تَلْهُو على شَرَكٍ رَأَتْهُ مُزَخْرَفا
تَبْني عِظامَ بُرُوجِها مِنْ صَدْرِها
والْجارُ قَلَّبَ صَخْرَهُ في بِئْرِها
فَتَفَرَّقَتْ ذَرّاتُهُ فِرَقاً عَلى حُلْمٍ غَفَا
يَا حَسْرَتا
عِشْرونَ بَيْتاً فُتِّحَتْ لِلرّيحِ منْ جُدْرانِها
وَهُناكَ أُخْرَى مُلّئَتْ بِالصّمْتِ فَاتّسَعَتْ شُقُوقْ
نَشَرَتْ على أَبْوَابِها دَعَواتِ حَفْلٍ لِلْمُروقْ
تَرَكَتْ على أُذُني بَلاغَاتٍ منَ الْحَسَراتِ..
والْكَلِمُ انْطَفَا
يَاحَسْرَتا
الْوَرْدُ يشْكو منْ خُصُومَةِ عِطْرِهِ
وَبَراءَةُ الطّيرِ انْتَفَتْ منْ وَكْرِهِ
سُرِقَتْ لمنْ حَبَسَ الشّعائِرَ وَاسْمُهُ أَشْقَى الوَرَى
نَهَشَ الْحَفاوَةَ فَاسْتَحالَتْ عَاصِفَا
يَاحَسْرَتا
رَقَصَتْ عَلى جِيدِ الْمُروءَةِ قِصّةٌ تَرْوِي حِكايَةَ عارِها
وَلِذا تَرى البَارُودَ في بَلَدِ الصّمُودِ يُسَابِقُ الأَنْفاسَ في مِضْمارِها
يَتَخَطّفُ الثَّمَراتِ قَبْلَ أَوانِها
وَتَسَاءَلَتْ أَرْضُ الْمُرابِطِ حِينَ ضَجَّ حِصَانُها
أَينَ الْوَفَا
يَاحَسْرَتا
رَبَطُوا نَوَاصِيَ شَمْسِهِمْ بِعِقاصِها
واللّيلُ يَنْشُلُ صُبْحَنا منْ رِدْنِهِ
فَترَى النّجُومَ تَشَرّدَتْ لِخَلاصِها
وَتَعطّلَتْ طُرُقُ النّداوَةِ منْ قَطِيعَةِ رَحْمِها
فَتَهاوَتِ الأَوطانُ وَانْطَلَقَ الْعُقُوقْ
فإذا الشّهامَةُ، سَيفُها يَغْفو على خَدٍّ أَسيلٍ مُسْرِفا
يَاحَسْرَتا
رُهِنَتْ خَواطِرُنا لِمنْ نَصَبَ الْحُدودَ إلى حُصونِ القادِمينَ منَ السّرابْ
تَرَكوا على الطّرُقاتِ قُنْبُلةً تَأَخّرَ قَدْحُها
غِرْبانَ بَيْنٍ تَمْلأُ السّاحاتِ أَسْفارَ الْخَرابْ
وَكَتائِبُ الغاوِينَ يَعْلُو قُبْحُها
فَتَمَزّقَتْ صُوَرُ الصّداقَةِ عِنْدَما حَضَرَ السّفيرْ
وَالأَنْفُ أصْبحَ يَقْتَفِي أَثَرَ الرّغيفِ إِذِ اخْتَفَى
يَاحَسْرَتا
في خَاطِرِي نَغَمٌ فُجِعْتُ بِهِ ولَمْ أَسْمَعْ لَهُ ضَحِكاً وَلا قَمَراً يُرَى
تَرَكُوا على وَلدِي سُؤالاتٍ تَنُوءُ بِها مَفاتيحُ الضّميرْ
شَنّوا على دَرْبي رَصَاصاً يَمْتَطى عُنُقَ الْقُرَى
لَجَّ الفُؤادُ منَ النّزَاعَةِ والتَّبَاعُدِ والذّهُولْ
فَتَجَرّدَ الْحَسّونُ منْ أَنْغامِهِ وتَصَلّفَا
يَاحَسْرَتا
الأُمُّ في بُرْكانِها تَشْكُو منَ الْعَمِّ الْجَديدْ
وَتَرَى المعانِيَ تَخْتَفي مِنْ بَينِ أَيدِيها ومنْ عِرْقِ الوَريدْ
بَينَ الدّوَائِرِ هَامَتِ الأَنْفاسُ سَكْرَى بِالْوُعودْ
وَالْحالِمونَ تَرَقّبُوا عَلَماً يُلَوَّنُ في الْخُدُودْ
دُوَلٌ تُمَنّيهِم إلى بَلَدٍ رَأَتْهُ خَوَالِفَا
يَاحَسْرَتا
النّسْرُ تَصْرِفُهُ الغَوَائِلُُ منْ مَراسيلِ الحُقُولْ
أَفْراخُهُ ارْتَحَلتْ إلى قَفَصِ العَويلْ
هِيَ أُمّهُ الثّكْلَى مَشَتْ بينَ النّوَازلِ والطّريقُ بِلا دَليلْ
في كُلِّ عُرْسٍ تغْرِسُ الأَجْدَاثَ وَالْحِضْنُ اكْتَفَى
يَاحَسْرَتا
لا شَمْسَ تَهْتِفُ في حَوارِيها تُضيءُ لَها السّبيلْ
رَجَفَتْ مَآذِنُها بِلا صَوتٍ..
وَحنَّ إلى النّدَى عِنَبُ الخليلْ
وَالْبَرْدُ يَهْرُبُ منْ يَدَيها تَلْقَفُ الضّوءَ الّذِي نَاحَتْ لهُ شَفَةُ الثّكُولْ
وَالْحُزنُ خَيّمَ في مَراعِيها يُغَلّفُ خُضْرَةَ الْقَمْحِ النّحِيلْ
والْقَلْبُ يَمْشي بينَ أَلْغامِ الْجَفَا
يَاحَسْرَتا
جَرَسُ الضّحَى قُدّتْ لَهُ أُذُنٌ مِنَ الصّمْتِ الثّقيلْ
في غَفْلَةِ الأيّامِ يَنْهَضُ ثَغْرُنا بينَ المخَاوفِ والنّزُولْ
هِمَمُ الصّدُورِ تَقَلّبَتْ بين القَوَاصِفِ والْهُجُوعْ
وَرِيَاحُهُمْ تَأْتي عَلى ظَهْرِ الدّجَى
يَهْوِي بِهَا طَيرُ الأُخُوّةِ بَينَ أَسْلِحَةٍ تَدُولْ
والْخَرْقُ زَادَ تَجَوّفَا
يَاحَسْرَتا
الشّعْبُ يَقْضِي عَامَهُ صَبْراً يُناجِي صُبْحَهُ
حَتّى اخْتَفتْ مِنهُ الفُصولْ
وَتَفَتَّقَ الْوَرَمُ الّذي مَلأَ الْفُؤادَ وَجُرْحَهُ
شَوكاً تَوارَى خَلْفَ أَصْنامِ الْعُقُولْ
فَاسْتَعذَبَتْ أَوْجَاعُهُ رَفْضَ الشّفَا
يَاحَسْرَتا
فَعلَى حَريرِ بِساطِنا يَتَرَبّعُ الْعِلْجُ الّذِي خَلَطَ الصّفَا
رَعَشَتْ كُرُومُ بِلادِنا عِنْدَ السّخَاوَةِ وَالْهَطُولْ
وَالْمَرءُ يَسْكُبُ وَقتَهُ في عَثْرةٍ حُفِرَتْ على دَرْبٍ طَويلْ
فَيَظَلُّ في زَلاّتِهِ وَالْيأْسُ يَبْقَى رَاعِفاً
يَاحَسْرَتا
لم أسْتَطِعْ أنْ أَرْسُمَ الْحُبَّ الّذي لَبِسَ الْحَيَا حَذَرَ الْمُثُولْ
في حَضْرَةِ الْغَيبِ اسْتَحَى منْ خَطّهِ قَلَمي الْخَجُولْ
لا الشّعْرُ أَفْهَمُهُ وَلا كُتُبَ الأُصُولْ
وَقَصِيدَتي جَفّتْ مَراعِيها يَمُدُّ حُرُوفَها وَجَعُ الْجَليلْ
مَاذا أَقُولُ إذا تَمَطَّتْ في فُؤَادي خَيلُ شَعْبي للوُصُولْ
وَاسْتَخْرَجُوا منْ وَقْتِيَ الأَعْمامَ وَالأَخْوَالَ..
وَالصّحْبُ انْكَفَا
يَاحَسْرَتا
اللّوزُ في وَطَنِي يَنُوءُ بِجُرْحهِ بينَ الْغُصُونْ
في جُرْنِنا تَتَمَرّغُ الأَوجاعُ في قَمْحِ السّبُولْ
نَاطُورُها يَطْوِي الْجُفُونَ وَيَشْتَكِي عَضَّ الْبُطُونْ
وَالشّمْعَدانُ تَطَاوَلَتْ نِيرَانُهُ تُلْقِي الْعَدَاوَةَ وَالْفُتُونْ
والْفَجْرُ يَحْضِنُ شَمْعَهُ خَوفَ الضّيَا أنْ يُكْسَفَا