"أحمد عبد أحمد" شاعر عاش ومات وهو يحلم بالعودة
(إن لم أعد أنا، فسيعود أبنائي أو أحفادي)
ولد الشاعر أحمد عبد أحمد في قرية المالحة غربي القدس الشريف عام 1939م، أنهى تعليمه الثانوي في مدرسة بيت لحم الثانوية عام 1959م
كان الشاعر "أحمد عبد أحمد" وعلى مدى خمسين عاما قد تنقل في عدد من وسائل الإعلام العربية والفلسطينية، حيث عمل محررا في صحيفة الجهاد الكويتية ثم صحيفة الدفاع الفلسطينية، وصحيفة القدس الفلسطينية وكذلك الفجر، وأخيرا مديرا للتحرير في مجلة العودة الفلسطينية.
عاش في بلده تحت الاحتلال بعد حرب عام 1967م، ما دفعه إلى اتباع منهج مقاومة الاحتلال في شعره.
توفي في الثالث والعشرين من شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2006م في أول أيام عيد الفطر السعيد عن عمر يناهز 68 سنة بعد حياة حافلة بالعطاء والعمل من أجل قضيته وشعبه وذلك بسبب مرض عضال داهمه فجأة.
هذا وقد جرى للفقيد مسيرة جنائزية كبيرة حيث شارك فيها ممثلو مختلف المؤسسات الرسمية والشعبية و المؤسسات الإعلامية حيث ألقيت الكلمات التي أشادت بمناقب الشهيد وعطائه اللامحدود.
كما نعت نقابة الصحافيين الفلسطينيين الفقيد الذي كان عضوا دائما ملتزما ومؤسسا وأثنت على مسيرته الإعلامية المميزة حيث عمل وبكل ما يملك كي يوصل صوت الشعب الفلسطيني إلى العالم كله.
وعايش" أبو شريف" أحداث النكبة الفلسطينية، حيث لجأ مع عائلته من قرية المالحة التي أصبحت جزءا من القدس بفعل الاحتلال إلى بيت لحم، وظل يحلم بالعودة إلى مسقط رأسه، وقد عبر عن ذلك في كتاباته وأشعاره حيث كان يقول " إن لم أعد أنا فسيعود أبنائي أو أحفادي ".
تميز الشاعر "أحمد عبد أحمد" بالشعر التقليدي وله قصائد من الشعر الحر، و على صعيد إسهاماته الشعرية فقد ترك الفقيد عددا من دواوين الشعر من أهمها: معلقات على جدران الهزيمة، الجنة السوداء، نار تحت الرماد، الهاشمي الثائر، قبلة على خدّ الوطن.
وهذه إحدى قصائده:
محمد الدرة يكاتب أمه
لا تبكيني..
دمعكِ يُحزنني.. يا أمّي.. لا تبكيني
أنا لم أبعد عنكِ..
فماذا يُبكيكِ وأنتِ بأيّ مكانٍ وزمانٍ..
يُمكن أنْ تَجديني
تحت الشبّاك الخشبيّ لمنزلنا
قرب مداخل حارتنا
عند حدود مُخيّمنا
بيدي اليسرى أحمل كُتبي
والحجر.. سلاحي.. بيميني
يمكن أنْ تَجديني
قتلوني.. يا أُمّي.. لكنْ ما هزموني
غلبوا خفقة قلبي.. لكنْ ما غلبوني
أنا في الجنّة.. يا أمي.. مبسوط وبأحسن حالْ
لا أشعر بالملل القاسي أو بالغربةِ..
فأنا ألعب.. يا أمي.. مع كلّ الأطفالْ
وأنا.. منذ دخولي الجنّةَ..
لم أتغيّبْ يوماً عن مدرستي
وأُثابر في حفظ دروسي
وكتبتُ.. على أَثَر استشهادي.. موضوعاً تتناقله الأجيالْ
فيه تحدَّثتُ عن القدسِ،
وحادثة الإسراء إلى الأقصى
وتحدَّثْتُ طويلاً عن بعض الأبطالْ
ومن الأبطال الأفذاذ خصَصْتُ صلاح الدينِ
كان استشهادي تأكيداً لضرورة قتل الشرّ الصهيونِي
إنَّ الأطفال العرب اكتشفوا
ماذا يعني أنْ تَعقد عهد سلام مع أفعى
وتكون بدون عيونِ
ماذا يعني أنْ تلعب دور غبيٍّ
وتُقدِّم ليهود غصن الزيتونِ
ماذا يعني أنْ يبقى.. حتى اليومِ..
شتيتاً قَلِقَ البال فلسطينِي
كم آلمني.. يا أُمّي.. جرح أبي
كنتُ أنا السببَ الأول في ما صار لهُ..
أبقيتُ له برحيلي موتاً يوميّاً..
ما أتعسَ أنْ يحيا إنسان مكسورَ الخاطرْ
لو لم أتعلّقْ بقميص أبي
لتوارى عن حقد القنّاص الغادرْ
إنّي أعتذر كثيراً لأبي
مَنْ كنتُ به أتباهى.. يا أُمّي.. وأفاخِرْ
مَنْ كان يُفاجئني بملابس عيد الأضحى والفطر وبالحلوى
وحقيبة مدرسة ملأى بدفاترْ
لكنّي باستشهادي
علّقتُ ملايينَ من الأوسمة على صدر أبي
وصدور الآباء العرب جميعاً من كلّ أبيٍّ ثائرْ
إنّ وسام شهيد.. يا أمي.. أسمى من كلّ ثمينِ
أُوصيكِ أخيراً.. يا أمي.. خيراً.. بعصافيري
لا تدعيها في القفص تُغنّي حزناً لفراقي
قولي لعصافيري انطلقي.. في جوّ فلسطينَ.. وطيري
وأشيري لعصافيري نحو البيّارات بغزّةَ..
ولتذهبْ نحو سفوح الكرملِ..
ولتنعمْ في حضن أريحا
وتُعشِّشْ بين غصون الزَّعرورِ
ولتنقلْ منّي ألف سلامٍ لشهيد وجريح وأسيرِ
ولتحملْ بُشرى لروابينا.. أنّ الموعد آتٍ..
للحدث الأكبر في يوم التحريرِ
هذا الموعد حتميّ.. يا أمي..
في النوم وعند اليقظة يأتيني
وأنا أكتب.. يا أمي..
آخر سطر في هذا المكتوب إليكِ
رأيتُ ملائكة تتسابقُ في التسبيح وفي التهليلْ
ورأيتُ الجنّة تستقبل أطفالاً مبتهجينَ،
وفي أيديهم أَثَر من حجر السِجّيلْ
فخففتُ إليهم أسألهم من أي بلاد جئتُمْ
قالوا: من أرض فلسطينَ،
فقلتُ: إذن.. قتلتْكم إسرائيلْ
من عادتها أنْ لا ترحم أطفالاً عرباً إسرائيل
كلّ عصابات القتل انقرضتْ
إلا واحدة هي إسرائيلْ
تأكل من لحم البشر وتشرب خمرة نيرونِ