الزرادشتية المجوسية.. ديانة للفرس اندثرت على يد الصحابة تعود من جديد
بعد قرون طويلة من اندثارها على يد الخلافة الراشدة، نشطت الدعوة مؤخرا في إقليم كردستان العراق لاعتناق الديانة الزرادشتية القديمة، التي وجد فيها البعض روابط تاريخية ذات أبعاد قومية، مما أثار الجدل حول أصولها ودوافع إحيائها، لاسيما أن الباحثين يشككون في روايات نشأتها وتطورها إلى ما آلت إليه اليوم.
تعود البداية إلى القرن السادس قبل الميلاد على الأرجح، وربما إلى بداية الألفية الثانية قبل الميلاد، عندما ظهرت بعض "المعجزات" -وفقا للأسطورة- لرجل بسيط من سكان أذربيجان، ويقال أيضا تركمانستان أو شمال إيران، لتبشّره بأنه سيولد له طفل ذو شأن عظيم، ثم ظهرت البشارة لوالدة الطفل أثناء الحمل بأنها ستلد نبيًّا يدعى زرادشت. ولما انتشر نبأ ولادته، حاول السحرة أن يتخلصوا منه، لكن العناية الإلهية حفظته من مكائدهم.
وعندما أصبح زرادشت شابا، حاول الشيطان إغراءه بمنحه سلطة على الأرض مقابل تخليه عن الرسالة الدينية، فلم يقبل. وتقول بعض الروايات إن زرادشت كان كاهنًا على دين قومه الوثني، ثم انشق عنهم ونزل عليه وحي النبوة في سن الـ30 عن طريق أحد الملائكة، إذ عرج به إلى السماء للقاء الإله "أهورا مزدا".
وتذكر الرواية أن زرادشت بدأ بدعوة قومه إلى الدين الجديد، فلقي من الصدّ والاضطهاد ما يلقاه كل الأنبياء. وبعد 10 سنوات من المحاولات الصعبة، انطلق زرادشت إلى حاكم إقليمي يدعى غوشتاسب لإقناعه، فعُقدت في القصر مناظرات بين زرادشت والكهنة، ولما انتصر عليهم آمن الحاكم بنبوّته، وبدأ بذلك انتشار الدين الجديد.
الكتاب المقدس
يعتقد الزرادشتيون أن زرادشت كان نبيّا يوحى إليه من الإله أهورا مزدا، وأن كتابه المقدس هو الأفيستا أو الأبِسْتاق، وهذا الاسم يعني باللغة الأفيستية "البناء القوي".
ويقولون إن النص الأصلي كان موزعا على 29 كتابا، كُتبت جميعها بماء الذهب، ثم أتلف أغلبها عندما غزا الإسكندر الأكبر مدينة تخت جمشيد عاصمة الإمبراطورية الأخمينية، ولم يبق من الكتاب الآن سوى رُبعه تقريبا، وهو مقسم إلى 5 أقسام، أهمها "ياسنا" الذي يضم تراتيل تدعى غاثا، وهي تتحدث عن نشأة الكون وشعائر العبادة.
وفي وقت لاحق أضيفت نصوص أخرى على قسم "الفستيراد"، كما كُتبت نصوص التأويل والشريعة "زندافيستا" باللغة البهلوية في زمن غير معروف، مما يجعل التحقق من النصوص الأصلية وتمييزها عن الدخيلة متعذّرا.
تنص هذه الديانة على أن الإله أهورا مزدا لم يكن سواه في الوجود، فاختار أن يوجِد روحين توأمين هما سبينتا ماينيو وأنغرا ماينيو، ومنحهما حرية الاختيار، فاختارت الأولى الخير ودُعيت بـ"الروح القدس"، واختارت الثانية الشر ودُعيت بـ"الروح الخبيث"، ثم بدأ الصراع بينهما.
ولاحقا، انبثقت عن أهورا مزدا 6 كائنات روحانية قدسية تدعى "الأميشا سبينتا" ليدعموا الروح القدس، وذلك عن طريق "الفيض" من نوره، وبالفيض أيضا أوجَدت هذه الكائنات كائنات طيبة أخرى هي "الآهوريون"، في حين أخرج أنغرا ماينيو إلى الوجود كائنات روحانية متفوقة اسمها "ديفا" لمساعدته، وهكذا تشكلت الملائكة والشياطين.
وبحسب الأسطورة، خلق أهورا مزدا العالم المادي ليكون ساحة لهذا الصراع، وذلك على 6 مراحل زمنية، ثم أوجد آدم "ماشيا" وحواء "ماشو"، وبدأ الصراع أيضا بين بني آدم وعالم الشياطين.
ولا يزيد عمر هذا الكون، وفقا للأسطورة، عن 12 ألف سنة، وهو مقسم إلى دورات للصراع بين إلهي الخير والشر، ويظهر فيه منقذون (مخلّصون).
تنصّ الزرادشتية على أن الإنسان يُحاسب بعد 3 أيام من موته، فتوزن أعماله بالميزان، ويُمتحن بالعبور على صراط المصير، وهو جسر يتسع ويضيق بحسب أعمال الشخص، فإن عبَره دخل الجنة، وإلا سقط في الجحيم، الذي يبدو منطقة باردة تعيش فيها كائنات متوحشة لتعذيب المذنبين.
وعلى صعيد العبادات، تتضمن الزرادشتية أداء الصلاة 5 مرات في اليوم، وتسبقها عملية تنظيف تشبه الوضوء، وتتضمن الوقوف في حضرة الإله وتلاوة مقاطع من تراتيل الغاثا. ولم تتطلب الزرادشتية القديمة سوى تطهير الجسد والملابس، مع أداء الصلاة في أي مكان، كما كان زرادشت ينهى عن صنع الصور والتماثيل للإله والملائكة، ويرفض الرهبانية والكهنوتية.
ويشاع عن هذه الديانة أنها تعبد النار لذاتها، لكن تقديس أتباعها النار لا يزيد عن اتخاذها رمزا للإله، وفي عصور لاحقة شُيدت المعابد المليئة بالصور والتماثيل، وزودت بمواقد للنار المقدسة.