□■ مراسل لوموند الفرنسية "بنيامين بارت" ينشر كتابا تحت اسم
" حلم رام الله .. رحلة في قلب السراب الفلسطيني !"
يقول فيه :- كيف تَحَوّل قراصنة الجو خاطفو الطائرات في سبعينات القرن العشرين وقاذفو الحجارة في ثمانينات القرن العشرين الذين كان يجلهم ويقدرهم ويقدسهم الثوار في العالم بأسره كيف تحولوا إلى حراس للمستوطنات الإسرائيلية على ارضهم المحتلة !□■
يقول بنيامين بارت في كتابه أن الكثيرين من مناضلي حركة فتح باعوا فلسطين وصاروا حرسا للمستوطنات مقابل ثراء سريع وقصور وفلل وحانات
ومراقص ودعارة !
ويضيف مراسل "لوموند" أن المناضل قد تحول إلى رجل أمن يقف حارساً لفنادق 5 نجوم في رام الله أو سجاناً يعتقل أبناء شعبه ممن يعترضون على نهج أوسلو أو متتبعاً لأخبار وتحركات المقاومين وناقل أخبارهم للوحدات الاغتيال الإسرائيلية! ويتساءل الكاتب كيف حدث ذلك ويحاول الإجابة فيقول :
بصفتي صحافي ومن خلال عمل ميداني، ومقابلات، ومتابعات واجتماعات ومعايشة لسنوات استنتجت أن أوسلو قد أوجدت واستحدثت طبقات اجتماعية لم يشهدها المجتمع الفلسطيني قبل أوسلو و أوجدت اوسلو برامج لسلام اقتصادي هدفها الحقيقي هو آطالة أمد الاحتلال، وتحسين صورته أمام العالم ، ووجدت أوسلو مناضلين ومثقفين تخلوا عن المبادئ. من أجل مرتبات دولارية كبيرة و مناصب وهمية ومكاسب شخصية.
يدرك المؤلف استحالة بناء اقتصاد في ظل احتلال، وكذلك سلطة، ومؤسسات حقيقية ، ولكن هذا قد لا يكون وجهة نظر دول وطبقات وفئات المستفيدين من الوضع الجديد، ومن أموال المانحين السياسية التي تتدفق تحت عنوان عام ( لدعم مسيرة السلام، وتسريع حل الدولتين) ولكن الهدف الحقيقي الغير معلن عنه للمانحين هو هو ( قضم المزيد من أراضي الفلسطينيين، وتقويض أي أمل في حل الدولتين ) وهو ما يدركه المانحون، من خلال التقارير العلنية أو المسربة التي اطلعت عليها ، ولكنهم يستمرون في لعبة لا تنتهي، في وضع فانتازي، ويكتب بارت: «هذا البلد المستحيل والمأساوي والعبثي الذي يشبه بأجوائه روايات فرانز كافكا، ولويس كارول، اسمه فلسطين، أو بالأحرى الضفة الغربية»، ويضيف: «رام الله أقل مجونا من تل أبيب وأقل بهرجة من بيروت، لكنها أكثر إثارة للدهشة من الاثنتين، وهي الآن الفقاعة الجديدة في الشرق الأوسط ».
وأطلق الكاتب على رام الله إسم «عاصمة السراب الفلسطيني» والتي تتعرض لاقتحامات الاحتلال الليلية، ومحاصرة بالمستوطنات والحواجز، لا تكف عن محاولة الظهور بمظهر الحياة الطبيعية: «منذ عام 2007، تفتتح حانة جديدة أو مطعم عصري كل ثلاثة أو أربعة أشهر»، ومن هذه المطاعم من يحاكي الأناقة الباريسية، أو سحر دول أمريكا اللاتينية . إنه الزبد التي تحاول السلطة إخفاء ما يدور في المدينة، التي يوجد فيها عدة مخيمات بائسة للاجئين، والتي يزيد فيها الفقراء فقرا، في حين تتكون في رام الله طبقات سريعة الثراء، بقرارات رئيسية ، ترى أن وجود مثل هذه الطبقات ضرورة لسلام من نوع خاص، والمقصود في الواقع سلام المستوطن الإسرائيلي لا سلام المواطن الفلسطيني ، وجعله احتلالا مقبولا ورخيصا، بل مربحا، فكل تدفق لأموال مانحة، هناك طرق كثيرة، ليذهب جزء منها إلى خزانة إسرائيل وهي آخر احتلال على سطح الأرض و الذي يحظى بالتدليل الأوروبي والأمريكي ومؤخرا العربي .
ينقل المؤلف عن دبلوماسي فرنسي قوله إن وكالات التنمية الدولية لا تتكلم: «سوى عن تقوية المجتمع المدني، لكنها غالبا ما تفعل عكس ذلك؛ فهي تقوض قدرته على اتخاذ المبادرة وتحوّل المناضلين إلى مقاولين من الباطن، أي إلى زبائن و يشدد هذا الدبلوماسي: «المساعدة الدولية في الأراضي المحتلة هي آلة ضخمة لنزع الصفة السياسية عن حركة التحرير الوطنية الفلسطينية».
لقد أصبحت رام الله دون أن تدري أو تعترف، مركزا ماليا وسياسيا، مكانا معزولا للشخصيات الفاعلة، وعاصمة لدولة مفقودة. ينقل المؤلف عن ناصر أبو رحمة: «منطقة رمادية، غير محتلة مباشرة، وليست حرة فعليا، وهي محاصرة ولكنها تعج بالحياة». أما يزيد عناني فيقول: «تتحول المساحة العامة إلى مساحة تجارية. وتنتشر أشكال التنظيم المدني الليبرالي الجديد في كل مكان. انبثق عن هذا التحول وهم التعايش بين كل من الحرية والازدهار والاحتلال. إنه الهبل الكامل ! . لن تكسب رام الله شيئا، إذا أرادت أن تقلد دبي أو عَمّان».
يظهر التناقض ما يرصده المؤلف بذكاء، في حفل خطبة ابنة القائد الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي في فندق «موفنبيك»، الذي حضره كبار السياسيين، متسائلا إذا كان هؤلاء لاحظوا مستوطنة بساغوت اليهودية التي تطل على المكان من جبل الطويل: «هل وصلت أصوات موسيقى الحفلة وأصوات أبواق السيارات المتنافرة إلى آذان سكانها؟ لديهم منظر لا يحجب على (موفنبيك) من نوافذ صالوناتهم. بساغوت هي حارس وسور في الوقت نفسه، وإحدى حلقات النظام الذي يمسك بفلسطين بين فكي كماشة».
دبلوماسي فرنسي يخبر المؤلف بأن السلطة الحقيقية في الضفة الغربية هي إدارة الاحتلال في مستوطنة بيت إيل، على مسافة قريبة من المقاطعة.
ويرى المؤلف أن أي حديث عن تغيير، يصطدم بطبقة المديرين العامين الذين تم توظيفهم بفضل علاقاتهم داخل حركة فتح وعلاقتهم الوثيقة بأعلى القيادات في الحركة كأقارب أو تابعين أوفياء : «حتى لو جلبنا إلى فلسطين الوزراء الـ25 الأكثر كفاءة في العالم، وحتى لو تم استيراد مائة مدير محترف، لن يكونوا قادرين على بناء مؤسسات. رؤية الدولة لا توجد إلا على الورق. لا يمكن أن تتحقق».
ينقل المؤلف عن خبير أجنبي: «بناء الدولة في فلسطين تجربة وهمية أو افتراضية. مهما كان الجهد الذي تبذله، يهدده الواقع .
ويرى المؤلف أن ممولي فلسطين، انحازوا إلى فتح، مثلا من أصل 1.2 مليار دولار دفعت في عام 2006، مر 700 مليون منها بمكتب الرئيس محمود عباس.
المساعدات الدولية أيضا، كما يقرر المؤلف، هي صفقات تجارية، أغلبها مربح جدا، يستفيد منها الكثيرون كالمتعهدين، ووكالات التنمية الخاصة، وشخصيات سياسية وأكاديمية ومؤسسات محلية قريبة من الرئاسة .
ويستقدم المتعهدون، الخبراء الأجانب، لأسباب تتعلق بالربح، في حين أنهم لا يقدمون عملا حقيقيا يمكن أن يخدم المؤسسات الفلسطينية، أحد الذين عملوا في برنامج لدعم القضاء الفلسطيني يعطي مثلا: «أذكر خبيرا أتى ليضع تقريرا عن أخلاق القضاة. كلف المانحين إقامته لمدة شهرين أكثر من مائة ألف يورو. لماذا؟ لتقرير من 17 صفحة لا فائدة منه إطلاقا».
هناك طبقة محلية تكونت بعد استفادتها مباشرة أو بطريقة غير مباشرة مما يسميه المؤلف «صناعة الإعانة»، وتتكون من «مديري منظمات غير حكومية، ومشرفين على مشروع تنمية، مستشارين سياسيين في منظمة دولية أو أساتذة في جامعة بيرزيت، يتقاضون راتب مستشار ».
لم تثر هذه الطبقة، التي تتركز في حي الطيرة، غرب رام الله، من خلال الأملاك العقارية، أو الانتماء لحركة فتح، أو من شركات عائلية: «بل في المعاشات بالدولار (بين 3000 و10000 وأكثر في الشهر) وتراخيص التنقل داخل إسرائيل وتذاكر سفر لحضور مؤتمرات في الخارج. تلتقي بهم في مطاعم المدينة الأنيقة، في حفلات القنصليات وفي قاعة الشخصيات الهامة لجسر اللنبي، نقطة المرور بين الضفة الغريبة ومطار عمان، حيث تعفيهم مكانتهم الاجتماعية من الانتظار إلى ما لانهاية، الذي هو نصيب مواطنيهم الأقل حظا منهم». هذا الطبقة هي التي تعطي رام الله: «وتيرتها السريالية وهويتها المفصومة، تتنازع بين الحرية والازدهار والاحتلال والاستعمار».
هذه الطبقة تحظى بدعم المانحين: «الذين كانوا مقتنعين بأن ظهور طبقة وسطى عليا، حريصة على رغادة عيشها، يساهم في استقرار السلطة الفلسطينية، وبالتالي حل النزاع»، ولكن في واقع الأمر، لا يوجد قناعة بحل النزاع، وهو ما يقال خلف الكواليس، وإنما إيجاد أرضية لاحتمال احتلال طال أكثر من اللازم.
النخب المثقفة كانت جاهزة لبيع خبراتها، مثلا: «تحمست البرجوازية المثقفة التي تدور في نطاق جامعة بيرزيت، سارع كثير من أفرادها إلى تأسيس منظمات غير حكومية للدفاع عن حقوق الإنسان، لدراسة الديمقراطية أو لتعزيز دور المرأة، كلها مواضيع كانت جزءا لا يتجزأ من برامج الأحزاب والنقابات، التي أُعيدت صياغتها استجابة لشواغل المانحين. بذلك، دخلت هذه النخبة المثقفة في مسار تغريب يتيح لها سهولة أكبر للحركة الدولية وزيادة للموارد لا يستهان بها».
محاولة الحفاظ على الوضع القائم، وإدارة الصراع وليس حله، أدت إلى فتح خزائن البنوك، التي كانت سابقا تنتهج سياسة متحفظة، لإطلاق برامج إقراض، جعلت نسبة كبيرة من الـ160 ألف موظف في السلطة، يكدون لسد ما اقترضوه. ينقل المؤلف عن الاقتصادي سام بحور: «مجتمعا غارق في الدين لا يتمرد على السلطات القائمة. عندما تستدين لتشتري منزلا أو سيارة، لا تنزل لتحتج في الشارع ! ولا تطالب بتحرير فلسطين ومقاومة إسرائيل ولو كتغريدة على السوشيال ميديا ».
يقول المؤلف: «لقد تَحَوّل قراصنة الجو، خاطفو الطائرات في سبعينات القرن العشرين وقاذفو الحجارة في الثمانينات، الذين كان يقدسهم الثوار في العالم بأسره و يشيد بهم الآن خبراء صندوق النقد الدولي ومجموعة المانحين لانهم يحققون هدف استدامة الاحتلال بأقل تكلفة ممكنة مقابل ازدهار أعمال حفنة من الأثرياء المنتفعين ...
من الصعب تلخيص كتاب هذا الصحافي الحاصل على جائزة ألبير لندن عام 2008. الذي نقلته إلى العربية سنا خوري بأسلوب سلس !
، ويتساءل الكاتب في نهاية كتابه عن موعد فلسطين مع الرياح التي تطهر الأرض، هل ما زال مؤجلا، أو مستحيلا؟!!!!