تعليقا على أحداث جامعة النجاح: -دمعةٌ على غزة !! - شعر: ياسين عبد الله السعدي
(عندما رأى الشاعر مشاهد الجمعة الحزينة في غزة في التلفاز والاشتباك الذي حدث في غزة في 18\11\1994م، بعد قدوم السلطة الفلسطينية لم يتمالك نفسه وانفجر باكياً).
راحتْ تُسائلني إذ راعني الخبرُ * ما بالُ دمعِكَ منساباً وينهمرُ؟
إني عرفتكَ في الأحزانِ ذا جَلَدٍ * وفي الشدائدِ والضراءِ تَصْطَبِرُ
أجبتُها ودموعُ اليأسِ تخنقني: * كيفَ التجلّدُ؟! لا يقوى به الصّبِرُ
لا تعجبي إن رأيتِ الدمعَ ترسلهُ * مَني العيونُ؛ فإنَّ القلبَ يَنْفَطِرُ
إليكِ عني، لآن الدمعَ يغلبني * ولستُ أملكُ غيرَ الدمعِ ينحدرُ
وكيفَ يرقأُ دمعٌ في محاجِرِهِ * والعينُ تشهدُ ما يجري وينتشرُ؟!
إني أكفكفهُ حزناً، فيغلبُني * لقد رأيتُ بما لا يكذبُ النظرُ
إني رأيتُ بني أُمي قد اختلفواٌ * رأيتهمْ لسلاحِ الموتِ قد شَهَرواا
ما كنتُ أحسبُ يوما أن أرى وطني * في مثلِ هذا الذي جاءتْ بهِ الصّوَرُ
يا ويحكمْ! أو ما تكفي مصائبُنا * من الأعادي، وما ذقْنا، وننتظرُ!!
* * * * * * * * * *
أهاجَ ما عرضَ التلفازُ من صُوَرٍ * ضمائرَ الناسِ، فاهتاجتْ بها الذّكَرُ
فهل نسيتمْ لنا بالأمس تجربةً * ظلتْ مرارتُها في النفسِ تَخْتَمِرُ
عشرونَ ألفاً ( بإيلولٍ ) قد انطفأتْ * أرواحهمْ؛ عندما فاضتْ بها الحفرُ
يا يومَ ( صبرا) و( شاتيلا )، لقد رجعتْ * ذِكْراكما مُرةً، للحزنِ تعتصرُ
وا سوْأتاهُ؛ إذا أضحى سلاحكُمُ * في وجهِ بعضِكُمُ بعضاً، سينفجرُ
ماذا يقولُ شهيدُ الأمسِ حينَ يرىِ * دماءَكمْ من رصاصِ البعضِ تنتثرُ؟!
من حزنِهِ سيواري وجههُ خجلاً * وسوفَ يُنْكِرُكُمْ غيظاً، ويَستَترُ
أينَ المبادئُ؟ هل ماتتْ مبادئُنا؟ * أينَ الشعاراتُ؟ طارتْ ما لها أثَرُ !
هذا الرصاصُ على الأعداءِ نقذفهُ * لكنْ غدونا كأنا اليومَ ننتحرُ
فيمَ الخلافُ؟ علامَ الخُلْفُ بينكمُ؟ * هل انتهى زمنُ الأعداءِ واندحروا؟
وهل تحرّرتِ الأوطانُ؟ هل رجعتْ * مدينةُ القدسِ بالأمجادِ تزدهرُ؟
وفي فلسطينَ؛ هل حلَّ السلامُ بها * حقّاً، وقد زالَ من آفاقها الخطرُ؟
ماذا نقولُ غداً في عارِ نكبتنا؟ * ماذا نقدّمُ من عذرٍ ونعتذرُ؟!
* * * * * * * * * *
أينَ الأولى كانتِ الأعداءُ تَرْهَبُهُمْ؟ * كانوا اُسوداً بساحاتِ الوغى زأروا
فكمْ تجرعتِ الأعداءُ كأْسَهُمُ * مُرّاً، وكم زلزلوا الدنيا، وكم نَفَروا!
ما شأنُهمْ ضاقَ بالإخوانِ صدرُهُمُ * أينَ الذي وعدونا حينَ قد حَضَروا؟
قالوا: السلاحُ حرامٌ ضدَّ إِخوتِنا * قلنا: فذلكَ ما نرجو وننتظرُ
* * * * * * * * * *
عشنا زماناً، به كانتْ كرامتنا * تحتَ النِّعالِ، ونرجو الظلمَ ينحسرُ
فكيفَ نرضى هواناً في مواطنِنا؟ * لا بدّ أنّ قيودَ الظلمِ تنكسرُ
لا، لا تكونوا لأعداءِ الحمى سَنَداً * لا تَركنوا لعدوٍّ طبعُهُ الغَدِرُ
فكلنا عَرَبٌ؛ لا فرقَ عندهمُ * ما بينَنا، كلنا في شَرْعِهِمْ خَطَرُ
كونوا معَ الحقِّ إخواناً، فليسَ لنا * غيرَ التآخي، سلاحٌ فيهِ ننصهرُ
الغربُ قد نفثَ الأحقادَ بينَكمُ * إلى مَ تبقى لَظى الأحقادِ تَستَعرُ؟
إلى مَ نبقى نوالي الغربَ في جزعٍ * كأنّنا لحياةِ الذلِّ نحتكرُ؟
نظلُّ نرهبُ أمريكا وسطوتَها * وهي التي لأماني العُرْبِ تحتقرُ
هذا التناحرُ بين العُرْبِ ضَيَّعـنا * فيه الهوانُ، ومنهُ يَدْفُقُ الخطرُ!
يا أمةً وَهَنَتْ من طولِ فُرقـتِها * هانتْ لكثرةِ ما حاقتْ بها الغِيَرُ
ومزّقتها خلافاتٌ بِلا سببٍ * ولا يؤجِّجُها إلاّ الأُولى مَكَروا
اللهُ أكبرُ! عنوانٌ لوَحْدتِنا * اللهٌ اكبرُ! فيها سوفَ ننتصرُ
يا قومُ! من عزة الإسلامِ عزتُنا * لا تجحدوا؛ فبهِ الآباءُ قد نُصِروا
فضمِّدوا الجرحَ في صبرٍ، ولا تَهِنوا * ووطِّدوا العزمَ أن تسمو بكم عِبَرُ
إنَّ التسامي على الأحزانِ شيمتكمْ * يا أهلَ غزةَ، أنتمْ خيرُ من صبروا
أنتمْ بقية قومٍ؛ إسمُهُمْ عَرَبٌ * بِمثلِكمْ أمّةُ القرآنِ تفتخرُ!!
19/11/1994
نشرت في جريدة القدس يوم الأحد بتاريخ 25\12\1994م صفحة 20
ونشرت في مجلة كنعان الشهرية عدد كانون الثاني سنة 1995م؛ صفحة 33