*لأوّل مـرّة يُرَى الشّنفرى باكيا..* / الشاعر عمار الطيب العوني
منذ استلمته الطبيعة،
كرّ على ما لا يطيق
وٱرتوى من ضرع أمّ صنعها الله خصيصا له
حين عن مضاربها أبعدته القبيلة.
لكنه أبدا ما غوى..
وما ظلم
وما عدا
إنما صان أعراض اليتامى
وأطعم البؤساء.
كانت الطبيعة تؤدي له الخراج
و تسجد له منذ استهوته الصحراء.
أنا لم أكن أعرف الشنفرى
ولا كان يعرفني
إنّما جمعتنا صدفة العطش..
كنتُ مسبيّا بأسرار "عتمة"
وكانت تُرحّلني خلف مضارب الجنّ
تواعدني
وتُخْلِفُ..
تطمئن لي قليلا
و تُرْجِفُ..
وكان منفيا إلى حلم جميل
ورغبة في الحدّ من جشع الغيلان
وإضفاء الرّضى على الأنفس العليلة.
مرّة؛
وكانت الرمضاء تلهب ظلّي المتكوّر
وأنا ألهج بأسمائها الفضلى
وأمدّ لساني لخيالات تعبرني
وأسخر من رطن للأبالسة
حتى نسيت الماء..
نسيت الماء والرمضاء ورياحا تلفحني
وٱنشددتُ إلى حداء يقترب.
لا شجرة واحدة اختفي خلفها
لا صخرة
لا سيف أدفع به شر هذا القادم
ولا عود ماء.
كنت مخفورا بأوزار المحبـّين.
أقف
وأقع.
أقع
وأقف..
جفّ نسغ الحياة في جسدي
وأسلمت نفسي للتّي انتقتني لتبرّد جمر قلبها
فتحييني إذا سعدت
وتميتني بعنتها إذا حزنت
وتفعل بي ما تشاء.
من ألف عام وأنا أتيه خلفها..
ما أسوأني..!!
لا أرعوي
لا أتوب مذ خاطبتني واللّيل داج:أحبّك لتصحبك الذّنوب.
كنت أبتهل إلى الله
لعلّ الله يخرجني من التيه
أو تسبغ عليّ فاتنتي من نعمة الهدوء
ما به العقل إليّ يؤوب..
صرت مخفورا بالندوب
وأمنياتي العليلة.
بغتة،
أظلمت السماء
طائر ما حطّ قربي
رجل ما ترجّل متّجها نحوي..
إنّه ابن الرّياح الشنفرى..
قال:سمعت أنينك وأحزنني نداؤك
ومثلي يلبّي النّداء..
قلت:بي عطش.
قال:قد جئتك بالماء
وأخرج بيض نعام قديم..
بلّ ريقي..
و هدّأ روعي بكلام لا يقوله سوى الأنبياء.
فوجدتني أتلو على مسامعه لامية العرب النبيلة.
كان يصغي كطفل
وينكت بعصاه الرمل
ويعبّ من الرّيح.
قال:ستمحو الريح هذي الخطى.
قلت:كيف؟
قال:وسيزول المدى.
قلت:وماذا عنك وعنّي؟
قال:أنا غريبك في هذي الدّنى.
دمعتْ عين الشنفرى..
لكنّ بريقها ما ذوى.
قلت:أيبكي سيد الريح مثلنا؟
قال:اشتدّ القذى..
-من مجموعة تنأى كي أراها-