اسباب الانقسام في الوطن العربي / د يسر الغريسي حجازي
""يزدهر المجتمع فقط، عندما يفتح كل شخص قلبه للآخر ويثق به، ويتقبله، ويحبّه كما يحب أبنائه. لنبدأ أولاً، بفتح أبواب الشفافية والنزاهة لتعزيز الثقة المتبادلة. فلنتحدث عن الظلم الاجتماعي الذي هو من صنع الانسان، ودعونا نجد الحلول للجميع ونعيش في انسجام كلي."
ان الضعف والهشاشة وعدم الاستقرار غير موجودين في قاموس الإنسانية، وبدلاً من توزيع المساعدات على الفقراء، دعونا جميعًا، نكافح من اجل المساواة والعدالة الاجتماعية.
دعنا لا نتصرف وكأننا الوكالة الدولية للبرامج الإنمائية، لان كل دولة لديها ما يكفي سكانها. علينا رفض الظلم الاجتماعي، حتى يتم دمج جميع المواطنين واعتبارهم من ضمن المجتمع بكل حقوقهم الاساسية. لن يتم حل او إيجاد الحلول المناسبة للمعضلات المجتمعية، إلا من خلال البوح بها والنداء الي التكافؤ الاجتماعي، والمساواة، والحق. لنكن صالحين وإنسانيين، وندع كل شعاع من أشعة الشمس يحفز ضمائرنا ليعلي في داخلنا صوت الانسانية! من منا لا يشعر أحيانًا بالاغتراب، وبعدم الانتماء لمجتمعه؟ ما هي مشاكل المجتمع الحقيقية، ولماذا نحن جميعًا مسؤولون عن القرارات التي يتم اتخاذها من قبل المسؤولين؟ لان السكوت علامة الرضا، والقانون لا يحمي المغفل عنه. وبكل بساطة نحن نتواطأ مع المسؤولين ونقوم بحمايتهم. وفي العملية الجماعية، يشعر كل واحد منا بأنه مجرّد من هوية المجموعة بسبب الانقسامات في الآراء. وذلك ببساطة، لأننا نجد صعوبة في قبول الراي الاخر، والسبب ان كل واحد منا يريد السيطرة على المجموعة. ذلك ما يدل على ثقافة التعصب الفكري والانانية المفرطة، مما يدفعنا الي رفض الاخر واتهامه بانه حسود. بالحقيقة، هي ثقافة التابعية والتي رسخت فكرة انه انت تساندني الان حتى اساندك في المستقبل. يعني كلما كنت مستفيد وانعم بكل الخيرات، لا يمكنني الاعتراف بمأساة الاخرين، ولا يمكنني أيضا ان أحصل على صداقات متينة. والأسواء من ذلك، انها هذه ثقافة تعطي مفهوم خطئ للمبادئ الأخلاقية. مما ينتج عنه غياب المنطق والإنسانية.
وتؤكد الأبحاث العلمية في علم النفس، ان الانانية تشمل جميع سمات الشخصية العدائية، مثل النرجسية، والميكيافيلية، واللؤمة، في جوهر مشترك وهي في الأساس مظاهر لمجموعة سلوكية واحدة كبيرة: الأنانية المتطرفة. علي سبيل المثال الطابع القبلي من ضمن ثقافة: "الأقوى هو المسيطر، والحياة لمن استطاع اليها سبيلا". خلال نقاش أو نزاع، يكون الفائز دائمًا هو الأقوى بطبيعته: يعني بقوة حنجرته وصوته العالي او ماله او مكانته في المجتمع. هذا ما يفسر الصراخ في بعض الخطابات للرجال والنساء أيضا. بينما الاقناع يأتي بحنكة العقل والمنطق٫ تأتي محاولات الاقناع في العالم العربي بالصراخ والعصبية وارتفاع الضغط. علي سبيل المثال، مهما كانت مزايا حجج الخصم، سوف يتفوق عليه الشخص العنيف حتى يحقق غاياته، ويعجب ايضا بحاشيته التي تؤمن فعلا ان الناس لا تفهم الا بالصراخ. وكثير ما نسمع مقولة:" فرجيته العين الحمراء" او "ضحكت عليه واخذت منه مرتين حق البضاعة". تشير هذه الامثال إلى قانون "الطبيعة، وليس لها علاقة بالعدالة او حتى المنطق بل لها علاقة بالأخلاق. وكل شيء غير منطقي، هو باطل لأنه غير حقيقي ويؤذي الناس. هناك امر اخر مريب في هذه الغابة، لا يستطيع المرء ان يفكر بعقله بل بغرائزه بما يريد وان يحصل عليه بكل الطرق المتاحة. علي سبيل المثال، الأغنياء يفضلون مقابلة الأغنياء امثالهم بسبب التظاهر والتفاخر علي بعضهما البعض، والفقراء ليس لديهم خيار سوى أن يجدوا أنفسهم مع امثالهم، ليشكوا صعوبة الحياة والظلم الاجتماعي في بيئتهم المحفوفة بالمخاطر. ولهذا السبب ينموا شعور اننا متهمين لغاية ما تتم براءتنا من أصحاب الصراخ، وهكذا يصبح المجتمع باسره صاحب الصراخ.
هل يمكن أن تكون هذه معتقدات؟ نعم للأسف، ومعتقدات مبنية على الانانية والتسلط. وهذه المعتقدات نسبت الي الدين، وذلك ما سبب في العنف المبني على النوع الاجتماعي، وتعلم الجميع ان ما يصيبنا هو نصيبنا وهذا ما قدر الله لنا وفقًا للتقاليد والمحرمات والموروث الاجتماعي الذي يتمتع به الفية الذكورية أصحاب الصراخ ومن قرون طويلة. هل يمكن أن تكون السخرية الاجتماعية أو الوحشية، هي التي تساهم في تجريدنا من إنسانيتنا؟ في كل مرة نرى فيها إخفاقات ومعاناة واضطرابات، تتغير قيمنا ويتم محو هويتنا.
على سبيل المثال، لماذا نجمع المساعدات للفقراء، بينما يكفي ان نمنحهم حقوقهم مثل الجميع؟ لكن إذا نظرنا عن كثب إلى القضايا المجتمعية، يمكن تبني قيم عادلة ونزيهة واعراف اجتماعية تبني الامن والأمان، والطمأنينة في قلوب الناس. هناك أبحاث تظهر عن أهم المشكلات الاجتماعية، وهي على النحو التالي: نسبة النزاعات المسلحة والصراعات المعممة والحروب تقيم بنسبة 38.9٪، وعدم المساواة (الأجور والتمييز) بنسبة 30.8٪، والفقر بنسبة 29.2٪، والنزاعات الدينية بنسبة 23.9٪ ، ثم المساءلة والشفافية، و تقييم الحكومات والفساد بنسبة 22.7٪ (اقتصاد رأس المال والسياسة ، 2022).
في الواقع، تعتبر أحكامنا الأخلاقية جزءا من سلوكنا الذي لا يمكن السيطرة عليه في بعض الأحيان. لماذا نلقي بمشاكلنا على الآخرين؟ ذلك ليس من قبيل المصادفة، أن يصبح الغدر والنفاق جزءا من سلوكنا اليومي. تلك التناقضات في التفكير غير المنطقي، هي بمثابة شيطان سمحنا له بان يدخل حياتنا ويخربها.
من ناحية أخرى، فإن المعتقدات والحقائق المجتمعية هي عوامل يمكن أن تضعنا في عجز اجتماعي. سيتم الحكم علينا بنفس الطريقة التي سيحكم علينا بها الآخرون. تتداخل الأدوار، ويتم تقييم الأحداث التي نختبرها وفقًا للمعايير الخاصة بنا. على سبيل المثال، زاد طلب معالجة المشاكل النفسية والاجتماعية على طريقة التدريب النظامي والمنهجي، والبرمجة اللغوية العصبية (ريشارد بندلار، 1950). وهذا بسبب زيادة الضغوطات والاشكاليات اليومية التي يعرض اليها المجتمع، ويتم ذلك من خلال المساعدة في فهم المشكلة، ومواجهتها، وتحديد نقاط القوة لإيجاد الحل بغض النظر على أسباب المشكلة. سيتم تشجيع الحريف على استخدام قوته لإيجاد حل مناسب. سيشعر بعدها بمزيد من الإدراك، لفعالية الحل الموجود وتنفيذه بكل ثقة.
مثال آخر، الأشخاص الذين يعملون في الأعمال الإنسانية هم أكثر خبرة، لأن لديهم إمكانية الوصول المباشر إلى الهشاشة الاقتصادية، ومشاهدة الأسر الفقيرة في مواجهة تحديات الحياة، ومخاطر المناخ، والأمراض، والاغتراب الاجتماعي.
في سياق الاستبعاد الاجتماعي، يكون الأشخاص المعنيين مستضعفين، ويعانون بشكل خاص من مشاكل صحية جسدية وعقلية. لا ينبغي أن ننسى أيضًا، أن معتقداتهم تتخذ قناعات مذهبية صارمة، ويمكن أن تصل إلى التطرف الفكري.
تلك المعتقدات الخاطئة، يمكنها ان تؤدي الي عدم التسامح والخلخلة في الاستقرار العقلي. مما يساهم في زيادة الصور النمطية، والانقسامات بين الناس. هناك أيضًا، عزلة اجتماعية وانعدام أمان ثقافي. على سبيل المثال، تساهم البطالة في زيادة تعاطي المخدرات والارتباك بين الشباب. يهدد انعدام الأمن الوظيفي التماسك الاجتماعي، ويتسبب أيضًا في احداث مأساوية. لا يزال هناك الآلاف من الشباب الذين يقررون الهجرة بحثا عن لقمة العيش، و للأسف الشديد يغرقون في البحار قبل الوصول الي الهدف بينما الوظائف يتم توزيعها علي حاشية أصحاب الصراخ على كل مستويات القرار.
ناهيك عن فئة كبار السن (فوق 70 سنة)، الذين يتنافسون على مقاعد المؤسسات الحزبية والخدماتية ويتجاهلون محاولة انتساب الشباب الي مراكز خدمة المجتمع. وذلك يفسر الركود التنموي، وغياب الابداع التكنلوجي والمعلوماتي. كل فئة عمرية لها صلاحية في الفكر والعطاء. لا يمكن لكبار السن مواجهة الابتكارات التقنية، مثل الفية الشبابية او التعامل معها بالشكل المطلوب.
وذلك يفرز القهر والحقد والعدوانية بين الشباب واهاليهم، و يزيد الانقسام في المجتمع بين المستفيدين وغير المستفيدين، والفية الأكبر هي غير المستفيدة طبعا. وهذا جزءا كبيرا من الإقصاء الاجتماعي. في كتاب ج. جاك روسو، "الخطاب حول أصل وأسس عدم المساواة بين الرجال (1754)»، يميز روسو بين طبيعة الإنسان وغموض الثقافة التي سيصبح عليها فيما بعد. من السهل خلق رجال مشوهين وعدائيين، وكما انه من الممكن خلق أبطال ورجال صالحين ومبدعين. كل شيء يعتمد على العقد الاجتماعي، وقناعة الناس نحو قيم الحياة ومعادلاتها الكونية. إما أن يصبحوا رجالا عبيدًا وهامدين، أو ان يصنعوا الفرق برفضهم الظلم الاجتماعي بما فيه من عدم المساواة والمحسوبيات، والتناقض في الخطاب السياسي والاجتماعي. لماذا نقبل بالتعرض للتمييز الاجتماعي والاقتصادي؟ ولماذا نستمر بالصمت؟ والموافقة على الصمت تعني الموافقة على عملية نزع الصفة الإنسانية، وتدمير الإنسان، والمحيط البيئي الخاص به.
غالبًا ما يكون فساد الحكومات هو السبب المباشر لإهانة الشعوب، وعدم استقرار البلدان، وهشاشة الشعوب، وتحديداً: البطالة، وعدم القدرة على تحمل تكاليف التعليم، والاستبعاد من الخدمات الاجتماعية والإسكان. تظهر البلدان ذات الديكتاتوريات الكبيرة، نسبة عالية من اللصوصية، والجريمة المنظمة، وانتشار السلاح. كما أن هذه الدول هي فريسة دول الغرب المتقدمة، لأنها بالأحرى تصطاد هذه الأنظمة بدقة، وتستغل ثروات أراضيها، وتبقي حريصة على ان يبقي الوضع كما هو.
بالنسبة لروسو، يمكن للثقافة ان تفسد الإنسان، لأنها قواعد يتم اجبارنا على متابعتها وهي ضد الطبيعة البشرية. بالإضافة إلى ذلك، يمكنها إفساد الطبيعة البشرية وتدميرها.
بالنسبة لروسو، هي عبارة عن مجموعة من القواعد الضارة بالإنسان لأنها يمكن أن تجرده من إنسانيته. لذلك فإن الإنسان مشروط اجتماعيًا وثقافيًا. على سبيل المثال، لا يزال هناك الكثير من التمييز في تعليم الفتيات مقارنة بالأولاد، وهم مفصولين عن بعض في الفصول الدراسية. حيث ان الذكور يتمتعون بجميع الحقوق مقارنة بالفتيات، وهذا ما يفسر هيمنة الذكور والمحرمات التي نشاؤها، لإدامة سلطة الرجل على جميع المستويات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية. وفقًا لرسم فرويد للمرأة في العصور القديمة، وصف المرأة مثل العبدة المطيعة لسيدها، ووصف الرجل بالقوة والذكاء، والسيد الذي يجب ان تطيعه المرأة. وهكذا ظهر الرجل في اللوحات القديمة، طويل القامة وقويًا وعضليًا ومنتصرا، وقائد بالفطرة.
في المجتمعات العقائدية، المرأة مقتنعة بأن الرجل أذكى من المرأة، وأن من حق الرجل اتخاذ جميع قرارات الأسرة، بما في ذلك الحق في تعدد الزوجات وامتلاك المال والقرار. في الواقع، لهذه الأعراف استخدامات موثوقة وإلزامية وعقوبات منها القتل لمن يخترقها. اما الأبناء الذين يتمردون على هذه العادات، يتعرضون للقمع والترهيب والتنمر. في وقت لاحق عندما يكبرون، يتم استبعادهم من بيئتهم.
يمكن لكل المجتمعات التعرف على المشاكل الاجتماعية، من خلال وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية: كل ما علينا فعله هو التحدث عنها وتوعية المجتمعات بحقوقها الأساسية والعامة، ووصول الدين حول منهجية الاخلاق والحقوق. من الضروري معرفة أن هشاشة بعض المجتمعات، هي عدم اكتراث صانعي القرار على جميع المستويات، والانطلاق نحو انعدام الأمن الاقتصادي وشعور الاغتراب في وطن لا يتناسب مع الانسان، بل يدمره.