وللرّحيلِ بَقِيّة ...
******
بعضُهُم يترُك فراغا
وبَعضُهُم يترُكُ مُتَّسَعًا.
هكذا علّمتنا قصص الموت البطيء، وجيناتُنا الموغِلةُ في الرّحيل
نَهْجُرُ ونُهْجَر ، نَقْتُلُ ونُقْتَل
نتبادَلُ أدوارَ الجَلاّدِ و الضّحِيّةِ في سادِيّةٍ مُغلّفةٍ بالمَغفِرة
فلا شيْءَ بريءٌ في رحيلِنا المُفاجِئ ،
ولا شيء بريءٌ في رُجوعِنا الغاضب منّا ومن الآخر.
حتّى قصائدُنا المعجونةُ بماءِ الاشتياق ،
تَشوبُها عِندَ الولادةِ لَوثَةٌ مِنْ هُروب
وكأنّها ترسمُ خطّا فاصِلًا بين العَوْدَةِ واللاّعَوْدة،
بين أن أظَلّ "أنا " أو أصيرَ "الآخر "
أو نصيرَ معًا فشَلا إضافيا في مُعتَـــرَكِ التّجربة .
"على هذه الأرض ما يستحِقُّ الحياة "
وليس في عيْنَيْكَ ولا في عيْنيّ ما يستحقُّ الموت .
على هذه الأرض مَتّسعٌ لِكِلَيِنا
فلِماذا أحشُرُكَ في شِرْياني ،
وتَحشُرُني في شِقِّكَ الأيْسَرِ من الصّدْر؟
هكذا يُفكّرُ العائدون من تجربة الموت
فيُردّدُ الشاعر " على هذه الأرض ما يستحِقّ الحياة "
ونُردّدُها معه على شفير الهاوية ، قابَ سَقْطَةٍ أو أدنى
تعودُ بنا إلى الرّيح ...
وبالرّيحِ إلى المطر ...
وبالمطر إلى السّنابل
وبالسّنابلِ إلى مقعَدٍ محجوزٍ بأسماءِ العائدينَ – كَنَحْنُ- بلا حقائب.
فالعائدونَ عَمْدًا يُسْقِطون حقائبَهُم ، ومَعَها تسقُطُ الأُغنيات
وتسقُطُ الشّعارات ...
وآلِهةُ الأولمب...
وأبطالُ الرّوايات...
والأشعار ...و وُرودُ عيدِ الحُبّ...
والأسرارُ الصّغيرة ...
ورائحةُ الفجر وهُو يُودّع آخِرَ النّجماتِ المُتَثائِبَة.
العائدونَ نُسخَةٌ مُعدّلةٌ من ذواتهم ، لكنها لا تُشبهُ قطعا تلك التّي رحَلَتْ.
لِبَعضِ العائدين رائحة الانكسار وطَعم التّجربة ،
ولبعضِهم لون الموت
ولَكَ هديرُ المدِّ الواثِقِ أنَّ الشاطِئ سيظلُّ رهنَ تقلُّباتِ القمر
ولي موقِدٌ يرفضُ العيش على بقايا النّار
فإمّا أن "أكون " أو "لا تَكون ".
للعائدين نهايات
ولنا ذكريات
وللرّحيل بقيّة .