زائرُ الموتِ
إلى الفارسِ الذي ترجّلَ عنْ صهوةِ جوادِهِ شهيداً ، يحيى السنوار : / د. الشاعر خلف دلف الحديثي
ترجّلَ دون صهوتِهِ الشجاعُ
وغادرَ قبل لحظتِهِ الوداعُ
فتى الصهواتِ ما التمَعَتْ بُرُوقٌ
موهّجةً إذا اشتدّ النزاعُ
دحاها لم ترعْهُ مُغَّفلاتٌ
وفي جنبيِه يصطرعُ اندفاعُ
ترجّلَ يا دماً عانى احتراقاً
وما كَلّتْ لدى الموتِ الذِّراعُ
ترجّلَ والخطوبُ تلوكُ شعباً
وما شَبِعَتْ من الموتِ البِقَاعُ
سليلَ مروءةٍ عزماً وقدراً
وكمْ ضاقتْ بصولتِه الرِّباعُ
لوى مِنْ خيلِ زاحفةِ المنايا
عِناناً واحتمى منه الصّراعُ
وما أرخى لسيلٍ قد تطامى
حزاماً أوْ لوى العزمَ القِراعُ
يُغالبُ ما استحرّتْ للعوادي
وأمّا الآخرونَ فما استطاعوا
ترجّلَ فالرماح غدتْ يتامى
وسوحُ الحربِ أوْجعها انخلاعُ
ترجَّلَ والصواهلُ صافناتٌ
تُحَمْحِمُ والجحيمُ لها اندلاعُ
يباكِرُ للنّدا طلقَ المُحيّا
وفي هُوجِ الخطوب هو الشراعُ
وسافرَ خيمةً شالتْ نَداها
فلا خَبرٌ يجيءُ ولا يُذاعُ
طوى كلَّ الأمانِ فغابَ سعدٌ
فزيَّفَ وجْهَ أمَّتِنا القناعُ
وأسْرجَتِ الخطوبُ رحى الرّزايا
فدارتْ واكتوتْ فيها التِّلاعُ
وشدّتْ في اشتدادِ العصفِ حزْماً
وأُجِّجَ للمنازلةِ اليراعُ
وضاقتْ في منافذِها الرّبايا
مُخاطرةً وما كَلَّ ادِّراعُ
حملناها الجراحَ وما انثنينا
وما دانتْ بصولتِها الجِمَاعُ
تَرجَّلَ مُؤمناً جَبَهَ الدواهي
وأعلن حَيْنَهُ فينا الزِّماعُ
تَرجَّلَ لم يَمُتْ ناداهُ مَجْدٌ
فأعطى صابراً ما يُسْتَطاعُ
ولآوى ليلَ محنتِهِ شموخاً
ولم يُلْمَحْ على الوجْهِ امْتِقاعُ
طوى أُفْقاً بعيداً جَدُّ ساعٍ
إلى العلياءِ يحدوهُ الطِّماعُ
وأدمى قامةَ التاريخِ يومٌ
وحوصِرَ سورُها وَهَوى الدِّفاعُ
ترجَّلَ لاذَ بالصَّمْتِ اقتداراً
ومُهْرُ الريحِ مِنْ فَرَقٍ يُرَاعُ
علا قِممَ الشهادةِ مشمخرّا
وكانَ من الإباءِ لهُ ارتفاعُ
تَرجَّلَ والسماواتُ استعدَّتْ
إلى لقياهُ واحتفلَ القطاعُ
ترجّلَ لم يعدْ للصبحِ وعدٌ
ورملُ العمرِ ينثرُه الضّياعُ
نما شوكُ القتادِ بكلّ روحٍ
جرى غُصصاً مدمَّاةً تُراعُ
ترجَّلَ لم يَعُدْ في السّاحِ سعدٌ
ولا للسيفِ في الوقعِ التِماعُ
ولا القعقاعُ يقحمُ زحفَ هولٍ
مهولٍ منه ينصدعُ النُّخاعُ
فساحاتُ الجهادِ غَدتْ ثكالى
وأنَّتْ صولةٌ وبكى اندلاعُ
تُطاوعُهُ الخطوبُ على مداها
ويَكْشُفُ سودَ عُتْمَتِها التماعُ
تُناديهِ الرّزايا للرّزايا
وتسجُدُ عندَهُ الشمُّ القِلاعُ
فمنكَ ستبدأُ الدنيا خُطاها
ويغمرُ زحفَ ظلمتِها الشُّعاعُ
تُطاعنُ زحْفَها في كلِّ ساحٍ
وغيرُكِ بارتجاجِ الوقعِ ضاعوا
وحولكَ منْ سنا الرّحمنِ نورٌ
بحبلِ اللهِ زادَ لكَ اجتماعُ
وكنتَ الليثَ ما فَرَقَتْ ضلوعٌ
وما حادَتْ عن الجُلّى الطّباعُ
شكمْتَ أنوفَهم أخرسْتَ وغداً
وأفْقُ سواكَ منْ خَوَرٍ مُشاعُ
وشمسُكَ لم تزلْ غيضاً تلظّتْ
وميضاً ما لَوى الزّندَ ارتجاعُ
ودانَتْ عندكَ القِممُ العوالي
وعنْ واديكَ قد جفلَتْ ضِباعُ
ستبقى أطولَ الفادين عمراً
وتركَعُ عندك الهُمُجُ الرُّعاعُ
سأقذفها جحيماً من شعوري
يطيبُ لعزفها فينا السَّماعُ
فنيلُ المجدِ غاية كلّ حرّ
ونارُ العزّ يوقدُها اختراعُ
ومنْ شيمِ الشجاعِ الجدّ دوماَ
ودونَ بلوغهِ السيفُ المُصاعُ
فأنتَ لكلّ ما قد كانَ أهلاً
له أمرٌ على الجُلّى مُطاعُ
لقد عقدوا لمرزءةٍ خطاها
فلا ودٌّ يظلُّ ولا سُواعُ
فسيروا للجهادِ على اجتماعٍ
وللقولِ المُعافى مَنْ يُطاعُ
وشدّوا جهدَكم حبلاً بحبلٍ
فلا مَيْنٌ يَحيفُ ولا ابتداعُ
فطبعُ عدوِّنا في الوعدِ خُلْفٌ
وكلّ مريبةٍ ولهُ اضْطلاعُ
وكونوا في اشتدادِ العصفِ عصفاً
يُجالدُ شرَّ نازلةٍ تُشاعُ
سيعزِفُ جُهدُكم في الكونِ لحناً
ويعذُبُ فيهِ في الدنيا استماعُ
فللشهداءِ نهرٌ من دماءٍ
ولنْ يُلغيهِ من وطني انصداعُ
فكُنْ يا أيُّها الكفنُ المسجّى
لواءً فيه للزمن ادِّراعُ
فتىً للهِ حشَّدَ كلَّ جَهْدٍ
وما أثناهُ عن عزمٍ لُكاعُ
وقادَ عساكراً ساعٍ لزحفٍ
إلى العلياءِ يحدوهُ الطِّماعُ
تُباكِرُنا الخطوبُ مُثارَ هَوْلٍ
وهلْ هولٌ له إلا انقشاعُ
وحاكوا من بنودِ العارِ ثوباً
رقيعاً فيه قد زَهِدَتْ رِقاعُ
وصرْنا أمّةً للعارِ تَسعى
جنوحاً حيثُ يقتلُنا اصْطراعُ
وفيها بالغوى نأتمُّ جهراً
ويحلو في مفاتنِها انتِجاعُ
تمرّ بنا الحوادثُ وهي حُبلى
وتُجْهَضُ حيثما يربدُّ قاعُ
حملنا للسيوفِ بُزاةَ وقعٍ
وسرْنا حيثُ يَحْتَشدُ اندلاعُ
بنا اشتدَّ الدجى وحَمى وطيسٌ
وللفرسانِ والخيلِ ارتباعُ
يسدُّ عجاجُها الآفاقَ سداً
ويشكُمُ قلبَ من وَهَنَ ارتياعُ
بنا اغبرّ المدى وازورّ أُفْقٌ
وَصُلنا والقراعُ له ارتجاعُ
بَهرْتَ العالمين صليبَ عزمٍ
بما كابدْتَ يا وطناً أضاعوا
ويا أمْناً أضعْنا بعدَ يُمْنٍ
ويا مجداً إلى الشذّاذِ باعوا
فأنتَ قصيدةٌ وهواكَ نبعٌ
يروّي مَنْ به اشتعلَ انقطاعُ
وأنتَ السيفُ ميلادُ المعالي
ودربٌ للرواعدِ لا يُراعُ
ستُجْزى كلُّ نفسٍ ما أعدّت
ويُجْزى مَنْ له نبأٌ مُشاعُ
لأقسمُ سوفَ يُذْهَلُ كلَّ طاغٍ
ويُقْلعُ سورُ هاتيكَ القلاعُ
فوعْدُ اللهِ آتٍ بالدواهي
لِمَنْ بالأرضِ موتاً قد أشاعوا