وحدي بروحي / د. خلف دلف الحديثي
وحدي بروحي والشوارعُ لا تعي
وجعَ الحنين على ارتجافِ الأضلعِ
أطوي المسافة والعيون بمدها
عرفت إلى وجه السراب تطلعي
وأنا ولستُ مضيّعا بدروبهم
لكنني أدركت فيّ توزّعي
فسألت أنفاسي فضعتُ بضجّةٍ
في داخلي وبي استُثيرتْ أدمعي
أنا ها هنا عمّان تحضن قامتي
وترشّ دربي بالعبير الأروعِ
وتمدّ كفّاً نحو كفّي للقا
وتصيح بي نحو العلا فتطلّعِ
هي ذي رباك فكنْ عُقابَ جبالها
واطلقْ جموحك عندها وتمنّعِ
هي ذي سماك فقم وحلّقْ دونها
وإلى الكواكب للتمرّدِ أزمعي
أدركتُ واشتبك الصراخ على فمي
وأنا العروبيُّ الذي لم يخنعِ
إني أضعت وما اشتهيت إدانتي
وطناً به صلّى الجمال الألمعي
وطنا فروض الله فيه تقيمه
وبه تقيمُ الشمسُ أجمل مطلع
وطنا فقدتُ فمن يعيد شطوطه
يوماً ومن يطفيءْ شرورَ المدّعي
فجمعت نفسي في مدينة دفتري
حتى أرى نفسي وهيبة موضعي
فتكوّمت بالروح خارطة الشجا
وأطل نحو الشرق هيكل إصبعي
فلمن سأبكي عند حضرة أمتي
والكل باع الى الجميع تجمّعي
ولمن ومن والسرُّ مفقود بنا
ويصيخ مبهوراً لذلك مسمعي
هي ذي الشام مجازر ومذابح
ودم يلوّنُ بالطهارةِ مصرعي
يوما طرقت وما خشيت لبابها
فاستقبلتني عند نهر تفجّعي
فتلمست جرحي وشدت نزفه
وتلملمت جذلى لتحضن أضلعي
فتكوّمت عندي وصلى بيننا
حرم العبير فصاح يا نفس ارْجعي
كانت ملاذي حين يدهمني الأذى
وبها أرى وطني وساحة مرتعي
وحبيبتي كانت وكنت وما انتهى
حبّي وإنّي بالهوى لا أدّعي
نمنا على بردى وكل مويجة
صاحت تعال وفي فناي تربّعِ
والآن يا عمان ألقي متعباً
رأسي إليك فلملمي لتصدّعي
هي شهقة الأوجاع فاحتضني فمي
واصغي إلى صوتي وغربة مسمعي
قد جئت أحمل في يدي مأتمي
لأبثّ بعضاً من شجونِ تلوُّعي
فالموت قانون تقيم فروضه
لغة الطغاة بشرعها المتسرّعِ
وطني احتراق يستجير بأهله
فتكت به الشذّاذ دون تورّعِ
كل الذئاب تكالبت في نهشه
وأخسّها غول رَبا في مخدعي
أنيابه غرست بلحم صغارنا
وله العمائم صفّقت بتضرّعِ
هو ذا العراق هَوَى بأشداق الردى
فعليه يا بنت العروبة رجّعي
كانت بلادي خيمة نأوي لها
وتضمنا بحنوّها بالأذرعِ
ولكلِّ أبناء العروبة موئلاً
فغدت رباها بلقعا في بلقع
وبنا نمت ونمت بكل فضيلة
وبنا استطالت واستطال تفرعي
شاءوا لها موتا وتاج قلاعها
ما زال يسطع بالندى المتمنع
هو ذا اليتيم يجر عبء جراحه
ويخيطها فرط الأذى بالمبضعِ
فليكتب التاريخ أصدق شاهد
ما ظل من وطن لنا فتسمعي
أبناؤه ارتحلت تروم سلامة
وتغذ نحو الشمس خطو تطلعِ
مطعونة حد النخاع حياتنا
والصدق ضاع مع الضمير المبدع
فخذي لأوجه صبيتي وتمعني
فيها ترين السقم يرتع فادمعي
والنخل يبكي صامتا جبروته
ويحن في أحزانه للمنبع
من ذا سيمسح عن بلادي نزفها
ويشد جرحا ضاق بالمتنطع
من ذا ومن يحنو علينا مرة
ويزيح ويلا جاثما بالأربع؟
أو من يكفّ الظلم عن أبنائنا
ويصد مصطرخ الحتوف بمدفعِ
شعب يباد وتستجير معاهدٌ
فمن الذي من موتنا لم يشبعِ؟
هو ذا العراق يغوص في بحر الدما
من ذا إليه يمدّ كف مشيّع؟
*
22/9/2013
عمان