سواقي العطشِ / د. خلف دلف الحديثي
جاؤوا عطاشى وفي أقداحِهم عَطشُ
وفي العيونِ بريقٌ شابَهُ العمَشُ
وفي صحارى الرّؤى ليلٌ يٌراودُهم
ليستريحَ على خدّ النّدى نَمَشُ
ويفرُكُ الصّدأُ المنخورُ ما كتبوا
وكلّ همٍّ على أسوارِهمْ نقشوا
جاؤوا يلملِمُهُمْ في كفّهِ وَجَعٌ
وفي خطاهُمْ أقامَ الجوعُ فانتعشوا
جاؤوا حفايا وقادتْهمْ لها دِمنٌ
فجرّدوا الجوعَ ممّا فيهِ فاندهشوا
والطينْ شاكسَهمْ فاستسلمَتْ شفة
وكفُّ نجوايَ بالحناءِ ترتعشُ
وفي سواقي الدّجى راحَتْ أصابِعُهم
تلوي الترابَ وفي سوءاتِهِ نَبشوا
وحاورَتْهمْ لغاتُ الأرضِ عنْ مُدنٍ
كانَتْ لزيفِ فتاوى الجوعِ تفترشُ
كانتْ تعيرُ بكاءَ الطفلِ لقمتَهُ
وشهقة شهقة في روحِهِ بَطشوا
جاؤوا وما زالَ ملحُ الصّبحِ يحرِسُهُمْ
ودمعة دمعة أجفانَهَمْ خدَشوا
وجثّة جثّة ظلّتْ تطالبُهُمْ
ليملأوا الأرضَ عِصياناً وينتفشوا
جاؤوا ونادى على أحشائِهم شَبِعُ
لكنْ دُمى الكذبِ في خيباتِهم نَهَشوا
ضلوا ووسوسة الليلاتِ تجلدُهُمْ
بالجائحاتِ وفيهمْ أهلَهم جرَشوا
ضلّوا وظلّتْ مرايا كنتُ أعرفها
تردّ صوتي إلى صوتي وتندهشُ
مرّوا على جدثِ الصحراءِ وانكفأوا
حتى استفاقَ على إيقاعِهِ الطرَشُ
وفتّشوا عنْ كؤوسِ الماءِ دونَ يدٍ
ولم يَجدْهُمْ على أبوابهِ الغبَشُ
وقطّبَ الصمتُ في شفتيّ أغنيتي
فزوّجَ اللحنّ في تكوينِهِ الدّهَشُ
مشبوحة خطواتُ الفجرِ لمْ ترني
عينُ السّرابِ وجوعُ القهرِ مُنكمشُ
أنا مشيْتُ وجرّ الصّيفُ شارعَنا
للبئرِ وانتُهِكَتْ في نارِهِ الفرُشُ
ماتوا عطاشى وغصّاتٌ تطوّحُهُمْ
ولحمُهُمْ لغبارِ الوقتِ يفترشُ
متى ستعلنُ أنفاسي براءَتَها
منْ دمعتيْنِ وفي الخيباتِ أنتعشُ
فالظلّ ظلّ بلا ظلٍّ يُلاحقهُ
وظلّ مائي بهِ يستأثرُ العَطشُ
*