العَشَاءُ الأَخِيرُ / د. الشاعر إحسان الخوري
-----------------------------------------
(تروي حكاية البؤساء في الارض)
بِقَلم : السَّفِير الدُّكتور الشَّاعِر إِحسان الخوري
سَلَامُ الأَطفَالِ مِثْلَ سَمَائِنَا الزَّرقَاءِ ..
هُوَ بيَّاراتُ بُرتُقَالٍ مُشْمِسَةٌ ..
هُوَ غِنَاءُ الرِّجَالِ العَائِدينَ مِنْ الحَصادِ ..
هُوَ فَرَاشَةٌ بَيْضَاءٌ صَامِتَةٌ ..
تَخَافُ ..
وَرُبَّمَا تَخْتَفِي مَعَ هُبُوبِ الرِّيَاحِ ...
هَلْ سَيُهْمَلُ هَذَا السَّلَامُ ..؟
هَلْ سَتُهْمَلُ الطُّفُولَةُ ..
وَهَلْ سَنَبْكِي خَيْبَةَ أَمَلِنَا المَرِيرَةَ ...
لِحيَتي البَيْضَاءُ لَيْسَتْ مُشْكِلَةٌ ..
المُشْكِلَةُ أَنْ لَا أَفْعَلَ شَيئاً ..
وَرُبَّمَا يَكْفِي أَنْ أَبْتَسِمَ فِي وُجُوهِهِمْ ...
أَلْعَابُهُمْ المُكسَّرةُ اِحتَرَقَتْ ..
بَعضُهُمْ عَلَى جَانِبِ الرَّصِيفِ ..
عِنْدَ الضَّوْءِ الأَحمَرُ يَتَرَبَّعُونَ ..
وَآخَرُونَ أَشْبَاهُ رِجَالِ الحُرُوبِ ...
يا تُرى كَمْ هُوَ سِعرُ سَعَادَتِهِمْ ..
وَهَلْ يَكْفِي أَنْ نَشْتَرِيَ لِهُمْ دَرَّاجَةً..!
عُيُونُهمْ لَيْسَ لَهَا سِوَى الجُوعِ ..
لِنَدَعهُمْ يَحضُرُونَ عَشَاءَ اللَّيْلَةَ ..
أَمْ نَظْرَاتُهمْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ ..
وَلَنْ نُلَمْلِم أَحزَانَهُمْ وَنَكتمُ آلَامَهُمْ ...
يَدٌ وَاحِدَةٌ لَا تَكْفِي يَا سَادَةُ ..
هُنَاكَ حَبْلٌ لِيَجمَعَ أَيَادِيَنَا ..
لِنُخْبِرَ العَالَمَ عَنْهِمْ ..
لِنُخْبِرهُ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يَمُوتُوا ...
شَيْءٌ هَائِلٌ يَا سَادَةُ ..
يَهْتَزُّ لَهُ الضَّمِيرُ ..
تَتَوَجَّعُ لَهُ الأَفْئِدَةُ ..
أَنَا سَأُعِدُّ الخُطَّةَ ..
وَأَرسِلُهَا مَعَ النَّوارِسِ ..
أَبْدَأُ بِعَضِّ قَلْبِي ..
وَأَحمِلُ ذَاتِي إِلَى الاِنْسَانِيَةِ ...
رُبَّمَا هَذَا جُنُونٌ ..
لابَأسَ ..
إِنَّهَا خُطوَةٌ إِلَى الأَمَامِ ..
أُغْنِيَةٌ قَصِيرَةٌ ..
وَعُنْوَانُهَا عِنْدَمَا تَذوبُ الغُيُومُ ...
يَا سَادَةُ أُرِيدُهُمْ أَنْ يَعِيشُوا ..
هُمْ لَيْسُوا حُلماً ..
هُمْ خُلِقُوا مِنْ السُّكَّرِ الأَبْيَضِ ..
وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَلِّيَ بِهِمْ كُلَّ أَيَّامِي ....