الجَّبلُ المُقدَّسُ ...
(حكاية شهيد نذر ذاته لوطنه)
بقلم الدكتور الشاعر إحسان الخوري
حَيَاتُهُ يُدِيرُهَا الزَّمنُ المَجْهُولُ ..
هُوَ قَاتَلَ حَتَّى النِّهَايَةِ ..
عَرَّافَتُهُ قَالَتْ ..
رَصَاصَةٌ قَاتِلَةٌ تَبْحَثُ عَنْكَ يَا وَلَدِي ..
سَتَشْرَبُ مِنْ إكسيرِ الخُلُودِ ..
وَتَصيرُ مِثْلَ مَجَالٍ كَوْنِيٍّ لَا يَنْتَهِي ...
فِي اليَومِ الرَّابِعِ مِن الشَّهرِ ..
أَتَى غُرُوبُ الشَّمسِ فِي مَوعِدِهِ ..
هُمْ أَرَادُوا أَنْ يذَبَحُوهُ إِلَىٰ قِطَعٍ ..
فَأَسرَعَتْ تِلْكَ القَاتِلَةُ إِلَىٰ فُؤَادِهِ ..
كَانَ تَأْخِيرُ المَوْتِ عَمَلِيَّةً مُؤْلِمَةً ..
وَتُشْبِهُ الهُرُوبَ مِنْ الوَدَاعِ ..
وَلَكِنَّهُ كَانَ مِثْلَ مَاءِ البُحَيْرَاتِ ..
قَادَ نَظَرَهُ إِلَىٰ كُلِّ شَيءٍ ..
أَغْلَقَ بَابَ الحَيَاةِ علىٰ مَهْلٍ ..
فَتَبَدَّدَ الهَوَاءُ حَوْلَهُ ..
تَسَمَّرَ بِضْعَ لَحَظَاتٍ بِرُوحِهِ المُغَادِرَةِ ..
وَلَمْ يَكُنْ خَائِفاً مِن المَوْتِ ..
أَخْفَضَ رَأْسَهُ إِلَىٰ كَتِفِهِ ..
رَأى الظَّلَامَ الأَبْيَضَ ..
أَفْرَغَ الصَّمَّامَ الأَخِيرَ حَتَّىٰ الثُّمَالَةِ ..
وَتَرَكَ رُوحَهُ تَتَزَلَّجُ أَثِيرَ الفَضَاء ...
جَمَالُ وَجهِهِ كَانَ سَاحِراً ..
عَيْنَاهُ كَمِثلِ لازوردِ سَمَاءِ الوَطَنِ ..
مُكحَّلتانِ بالِّليلِ المُقَدَّسِ ..
وَنَصِفُ اِبْتِسَامَتِهِ تَتَلألأُ مِثْلَ النُّجُومِ ...
أَيَّتُهَا الرِّيَاحُ كُونِي لَطِيفَةً مَعَهُ ..
أعطيهِ قُوَّةً لِلطَّيَرَانِ ..
فَالسَّمَاءُ بِدَاخِلِه تَلمَعُ كَالياقوتِ ..
وَسَتَأْتِي الأبْطَالُ لِتَمْلَأ مِنْهُ أَكْوَابَ النَّصرِ ...
دَمُهُ المَهْدُورُ يَجُسُّ الضَّمَائِرَ ..
هُوَ بَذْرَةٌ حَيَّةٌ ..
تَدفِنُ ذَاتهَا لِتُنْجِبَ آلَافَ الشُّهَدَاءِ ...
هُوَ شَامَةٌ تَحتَوِي عَلَى جَبَلٍ مُقَدَّسٍ ..
هُوَ مِيَاهٌ حَيَّةٌ تَتَدَفَّقُ فَوْقَ الرُّوحِ ..
وَمُعجِزَةٌ صَنَعتْها المَلَائِكَةُ لِلتَّكَاثُرِ ....