أعيدوا لي أمّي ...
بقلم سفير الطفولة الدكتور الشاعر إحسان الخوري
(أهديها الى كل من فقد أمّه)
أُمّي ..
أُمّي ..
أين أنتِ يا أُمّي ..
أنا أسمع صوتكِ ..
يدكِ لا زالت في يدي ..
أنا أضغط عليها ..
أشعر بها ..
أين أنتِ ...
أسمع أنفاسكِ حولي يا أُمّي ..
أشمّ رائحتكِ ..
أين أنتِ يا أُمّي ...
هل غادرتِ إلى الزمن المفقود ..
الى الهناك ..
خلف بحيرات الكون ..
عند بنفسجات الجنَّة ...
لقد ماتت أُمّي ..
ماتت ...
من يُعيدها لي ..؟
هل من يستطيع ..؟
كل جواهر الارض ..
كل الزّمرّد والياقوت ..
خذوهم مجاناً ..
هم لكم بالمجّان ..
خذوا السّماء ..
كوكب المريخ ..
وحتى القمر ..
خذوهم مجاناً ..
ولكن ..
أعيدوا لي أُمّي ...
أمي لم تمت ..
روحها غير زائلة ..
هي خالدة ..
داخل حدود الكون وخارجه ..
هم يُحاولون إبعادها الى ما وراء الشمس ..
ربّما الى كوكب مُربَّع ..
أو بشكل الفؤاد ..
لست أهتمّ كيف يُحاوِلون ..
أُمّي كبيرة كفاية ياسادة..
حنانها أكبر من كل شيء ..
هي تفهمني وتفهمكم ..
هي أعطت الحياة للأرض ..
روحها ستعيش الى الابد ..
كنسيم الربيع تدفعني الى أعماقي ..
وأصداؤها تملأ روحي ...
فؤادي ثقيلٌ ..
في منطقة رمادية يعيش ..
ويرغب أن ينفجرَ في الخلايا المُقفَلة...
أمكِنَتي خانِقةٌ ..
مُتعبَةٌ ..
ومِثل بحر أنهكه الموج ...
الزّمن يثقل ذاكرتي ..
وينبت على روحي التجاعيد ..
هل أُتابِع المسافات الشاردة ..
أم أُحجِّم خطواتي العقيمة ..
أو أهرش ضاربات الودَع لتعزيتي ...
هل أتواصل مع الجّنون ..
هل أنا أغرق في بحر الهواجس ..
وأطفو في الهواء ...!
أُمّي ..
أنا كنت أشرب الصّباح من عينيك ..
هل أدمنت على غيابك ..
لا ..
أنا أُخبِّيء افتقادك في فؤادي ..
هل أذبح حروفي ..!
أُمزِّق الريح عند مراكبي الراسية ..
وصايا السماء تُعذِّبني ..
أرغب أن أتنفسَ في أحضانكِ ..
وأُكْمِلُ في تأَمُّلكِ ..
حتى يَصيرُ كلُّ العالَم أنتِ ...
أُمّي ..
أرغب أن أُقبِّل عينيكِ المُغمضَتين ..
أنفلِتُ في البكاء ..
عند الجبال الحزينة أبكي ..
عند الطيور السوداء المُنخَفِضَة ..
عند رائحة العنبر ..
وأبكيك عند صوت الهدوء الحزين ..
عند الريحانة التي أحببتِها يا أمي ..
وعند شجرة النارنج التي تفتقدكِ ..
هل مازلت تذكرُينها يا أمي ...
لو ضعف الجّسد ياأُمّي ..
لو ضعف الجسد ..
وتراخت عيناي ..
سأبقى أتذكّرك الى الأبدِ ...